وجهت حركة اليسار الاجتماعي الاردني رسالة هامة الى العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين بمناسبة عيد الاستقلال، تناولت مخاوف الاردنيين ومشاكلهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وطرحتها بجرأة امام الملك.
وركزت الرسالة الصادرة عن د. خالد الكلالدة، امين عام حركة اليسار الاجتماعي الاردني على عدة قضايا من أهمها: معارضة نهج البيع والخصخصة عموما، واستمرار التحالف مع الولايات المتحدة على بياض، كما طرحت الرسالة مسألة دور الملك في حكم البلاد، منادية بدور رمزي له على ان يرجع الحكم لمؤسسات الشعب الديموقراطية وممثلوه النيابيين بعد اجراء انتخابات تشريعية حقيقية على قاعدة التمثيل النسبي.
وفيما يلي نص الرسالة كاملة:
جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، حفظه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فأنني، ورفاقي في حركة اليسار الاجتماعي الأردني، نهديكم أجمل التحيات ـ وأنتم رمز دولتنا ـ بمناسبة استقلال بلدنا الحبيب. ولكم كنا نود أن يكون هذا يوم فرح لا يعكره وقوف أحد أعداء الشعب الأردني إلى جانب جلالتكم في استقبال التهاني في أعز أعياد الأردنيين، عيد الاستقلال.
والمشكلة، يا جلالة الملك، ليست شخصية أو تتعلق، فقط، بشخص السيد باسم عوض الله، وإنما في الآتي:
1- من المعروف أن هناك ما يشبه الإجماع بين الأردنيين على الموقف السلبي من هذا الشخص. وبغض النظر عن صحة أو عدم صحة هذا الموقف، فإن استمرار فرض عوض الله في رئاسة بيت الأردنيين، لا ينسجم مع الأعراف الديمقراطية، ويجرح مشاعر الأردنيين.
2- أن الشعب الأردني لا يعادي عوض الله شخصيا، بل يعادي النهج الليبرالي الرأسمالي المتوحش الذي ارتبط باسمه.
3- أن الشعب الأردني الواعي المسيس، لم يعد يقبل بآليات الصعود الغامضة لأشخاص ليس لهم جذور اجتماعية أو قواعد شعبية أو خدمات جليلة للوطن، معروفة ومتدرجة تكفل الصعود الدستوري المقبول، وطنيا واجتماعيا.
وحين نتجاوز عن كل ذلك، فأننا تلقينا، بمرارة، حضور نهج عوض الله في الخطاب السامي بمناسبة الاستقلال. وقد كنا نأمل أن يكون هذا الخطاب مع قلق الشعب الأردني على وطنه، وآلامه المعيشية وانسداد الأفق أمام شبابه وشاباته. ولكم كنا في شوق لخطاب سام يعالج ما يلي:
(1) فشل السياسة الخارجية الرسمية في تأمين الأردن ضد أخطار تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن وضياع استقلاله، ودور الولايات المتحدة في دعم المشروع الصهيوني المعادي لفلسطين والأردن.
(2) فشل السياسة الخارجية المرتبطة بالمحاور، وتفكك ما يسمى محور الاعتدال، وضرورة السعي إلى إقامة علاقات متوازنة مع جميع القوى العربية والإقليمية.
(3) فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية. ففي غضون أقل من عشر سنوات من تطبيق سياسات الليبرالية الرأسمالية والخصخصة وتحرير السوق، تحول الأردن من بلد يفخر بأنه لا يوجد فيه جائع واحد إلى بلد يتضور فيه مليون أردني من الجوع، بالمعنى الفني للكلمة، ويعيش فيه مليونا مواطن تحت سقف الفقر، بينما تحولت الطبقة الوسطى الأردنية المتفائلة والديناميكية والمثقفة إلى اليأس والانهيار. وتكفينا هذه النتائج وحدها للحكم على سياسات الليبرالية الرأسمالية المتوحشة التي ما تزال متبعة، ونخشى أن تنتهي بتحويل 90 بالمائة من الأردنيين إلى جوعى وفقراء.
(4) وكم كنا نتمنى أن يطمئن الخطاب السامي، الشعب الأردني إلى أن المرافق العامة والممتلكات الحكومية لن يتم بيعها في صفقات غامضة.
جلالة الملك،
أن الوطن في خطر، ما يتطلب تغييرا عميقا في السياسات الخارجية والداخلية، تغييرا يعيد بناء الجبهة الداخلية، وراء العرش، لمجابهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجسيمة التي تواجه بلدنا.
جلالة الملك،
لقد فتح الكونغرس الأميركي، إحدى قاعاته، الأربعاء 21 أيار 2008، لمناقشة اقتراح مقدم من حزب "الاتحاد الوطني الإسرائيلي"، يقضي بضم الضفة الغربية "لإسرائيل" مع اعتبار سكانها مواطنين أردنيين مقيمين بصفة مؤقتة في دولة "إسرائيل" التي سيكون من حقها إلغاء إقامة أي "مقيم " لأسباب أمنية.
الحزب المذكور صهيوني متطرف ولا يملك تأثيرا قويا في تل أبيب أو واشنطن، واقتراحه لن يكون جديا على مستوى التعاطي الدبلوماسي. لكن هذا الاقتراح يصوّر، عمليا، الواقع القائم. فالضفة الغربية تخضع لما هو أكثر من الضم، أنها تخضع للتوسع الاستيطاني الصهيوني. وبالنظر إلى انسداد أفق قيام دولة فلسطينية ذات مقوّمات، وإلى الشروط اللاإنسانية التي يفرضها الاحتلال على مواطني الضفة، فإن هؤلاء يجدون أنفسهم مدفوعين إلى الهجرة إلى شرقي النهر. أن الإقامة المؤقتة هي واقع فعلي بالنسبة للمحتلين، كما بالنسبة لكل مَن يستطيع الهجرة من الجحيم المتصل بين الاحتلال و"السلطة".
ووفقا لقانون الجنسية الأردني الساري المفعول، فإن مواطني الضفة الغربية، هم مواطنون أردنيون، إذ أن قرار الملك حسين ـ رحمه الله ـ في العام 1988، بفك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية، مورس بموجب تعليمات إدارية، ولم يأخذ، حتى الآن، شرعية دستورية وقانونية. بل أنه يوجد في الضفة، حاليا، فلسطينيون يحملون الجنسية الأردنية فعلا.
اقتراح الحزب "الإسرائيلي" المتطرف، ليس مجرد أحلام صهيونية إذن. فهو يترجم عن مضمون واقع قائم حقا. وهو واقع طالما كان في صلب اهتمام السياسة الخارجية الأردنية ومساعيها الدءوبة.
كانت إستراتيجية الملك حسين ـ رحمه الله ـ تقوم على استعادة ضم الأرض والسكان، في دولة موحدة تتلافى خيار الوطن البديل، بينما سعت السياسة الخارجية الأردنية، لاحقا، إلى تكثيف الجهود لدعم الرئاسة الفتحاوية للتوصل إلى قيام دولة فلسطينية، تسمح بتلافي الخطر نفسه، على أن يتم توطين اللاجئين والنازحين، الحاصلين على الجنسية الأردنية أو المقيمين في الأردن إقامة دائمة، توطينا سياسيا نهائيا يأخذ بالاعتبار نظام المحاصصة.
وقد افترضت السياسة الخارجية الأردنية، في السنوات الخمس الأخيرة، أن هناك فرصة حقيقية لإنجاز هكذا تسوية، انطلاقا من الآتي:
(1) حاجة إدارة الرئيس جورج بوش إلى حليف محلي قوي في سياق سياساتها لإقامة شرق أوسط جديد، يبدأ أو ينتهي باستقرار الاحتلال في العراق، والحرب على إيران وتحجيمها، وتغيير النظام السوري وشطب المقاومات العراقية اللبنانية والفلسطينية. وقد وضعت عمان كل طاقاتها السياسية والأمنية في خدمة تلك الأهداف، آملةً، بالمقابل، أن يتم إجبار "إسرائيل"، أميركيا، على التوصل إلى تسوية "الدولة" في الضفة والقطاع.
(2) حاجة هذه التسوية إلى طيّ ملف اللاجئين الفلسطينيين في "حل إجرائي" تملك عمان، وحدها، القدرة على تنفيذه، بالنظر إلى أن حوالي نصف هؤلاء مواطنون أو متوطنون في الأردن فعلا. ومن الممكن ترتيب أوضاعهم الاقتصادية من خلال تعويضات، وأوضاعهم السياسية من خلال المحاصصة.
على أن الرياح جرت على الضد من الشراع السياسي الرسمي الأردني، وانتهت سنوات العمل الحثيث ضمن "المشروع البوشي"، أخيرا، حتى من دون مكافأة نهاية الخدمة. فالإدارة الجمهورية الطامحة بالتجديد لولاية ثالثة، أدركها الوقت، وضغطت عليها الأحداث، بحيث أنها اضطرت، لضمان خوض الانتخابات الرئاسية بعراق هادئ، إلى تسويات إجرائية مع إيران بصدد ملفها النووي، ومع سورية بصدد ثلاثة
ملفات أساسية:
- تهدئة طويلة في الأزمة اللبنانية، وفي الأزمة السورية ـ اللبنانية، بما في ذلك وقف التصعيد حول "المحكمة الدولية"، وضمان مشاركة المعارضة الحليفة في الحكم والقرار، وإخراج سلاح حزب الله من جدول الأعمال.
- تهدئة في غزة هي اعتراف ضمني، لكنه مفتوح للتطور، بـ "السلطة الحمساوية" في القطاع.
- عدم اعتراض المفاوضات السورية ـ "الإسرائيلية" بشأن الجولان. ومن المعلوم أن هناك تيارا قويا في "إسرائيل"، سيما بين الجنرالات، يؤيد عقد اتفاقية سلام مع سوريا، سوف تضمن، عمليا، إغلاق الجبهة الشمالية، وإدراج حزب الله وحماس في إطار التسوية.
بالمقابل، فإن إدارة بوش لم تجد نفسها ملزمة، تحت أية ضغوط، لإنجاز تسوية في المفاوضات مع السلطة الفلسطينية التي فقدت، بالنتيجة، مصداقيتها وشرعية وجودها. فهي أمام خيارين: إما الخروج من الميدان أو القبول بتنازلات يرفضها الشعب الفلسطيني قطعيا، ما يعني، أيضا، سقوطها سياسيا.
وهناك تقديرات بأن تيارا مؤثرا داخل "السلطة" يريد حلا مع "الإسرائيليين" بأي ثمن، وخصوصا وأن هذا التيار متورط بعلاقات أمنية واقتصادية متشابكة مع المحتلين، تجعل التراجع بالنسبة إليه صعبا.
وبينما أصبحت غزة خارج المعادلة، فإن ما في جعبة إسرائيل حول الضفة لا يزيد عن نصفها في كانتونات غير متصلة، ومعزولة بين الجدار الاستيطاني غربا، والجدار الأمني في غور الأردن شرقا. وهذا الضم الإسرائيلي الواقعي للأرض، غير ممكن، عمليا، من دون إدارة البلد المجاور أي الأردن. فهل هذا بعيد حقا عما يقترحه "الاتحاد الوطني الإسرائيلي"؟.
يا جلالة الملك،
اننا نعرف أنكم ترفضون هكذا مآل، لكن هناك مخاوف جدية من الخضوع له تحت ضغوط اقتصادية (تخفيض حجم المساعدات الأميركية والسعودية) وسياسية (انكفاء الدور الأردني، بل وإمكانية التفاهم مع الإسلاميين الأردنيين حول برنامجهم الرافض لفك الارتباط بين الضفتين) وأمنية (تفعيل خلايا القاعدة أو تنشيط انشقاقات مختلفة).
وتفتقر النخبة السياسية الأردنية المسيطرة إلى الإرادة السياسية لمواجهة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي بصدد الضفة الغربية. وهي مشغولة، بصورة تثير الريبة، بالبزنس والصفقات العقارية والمالية وخصخصة (نهب) الممتلكات والمرافق التابعة للدولة.
وعلى هذه الخلفية التي تثير حفيظة الأغلبية الشعبية التي تتضوّر فقرا وجوعا وانسداد آفاق الحياة، نلاحظ أن تركيبة النظام السياسي هشة للغاية: فالمجلس النيابي الذي نتج عن انتخابات مزورة، لا يمثل القوى الاجتماعية الحية أو الاتجاهات أو التيارات السياسية. ورغم ذلك، فهو مغيب عن القرار، مثله مثل الحكومة الشرعية التي تجوّفت من الداخل، وتحوّلت إلى هيئة موظفين تنفيذية لصالح حكومة غامضة من الليبراليين الجدد وصقور رجال الأعمال.
وفي حين كان جهاز المخابرات الأردني الشهير، مثابة حزب الدولة ومصمم إستراتيجيتها السياسية، تحوّل إلى جهاز أمني بالمعنى المحدد للكلمة.
العلاقات التي كانت ذات يوم متجذرة ومتشعبة بين القصر والمجتمع، هي اليوم شبه مقطوعة. وهي تُدار من قبل مجموعة متغربة عن المجتمع الأردني، ومرتبطة بالمحافظين الجدد في الولايات المتحدة. وهم، من حيث تركيبتهم الاجتماعية والسياسية والنفسية، عاجزون، حتى لو أرادوا، عن التفكير أردنيا.
على المستوى الشعبي، عملت سياسة الاستقطاب وشراء الضمائر والتوزير الكثيف، خلال العقدين الفائتين، على ضمور النخبة السياسية المعارضة، وافتقار الحركات الشعبية إلى الكادرات. وينطبق ذلك على الإسلاميين المنقسمين، عمليا، بين رجال للنظام منبوذين منه، وبين رجال لحماس لا دور سياسي لهم، بل أنهم يحرجون الحركة الفلسطينية أكثر مما يفيدونها.
جلالة الملك،
أن الله، جل جلاله، لا يكلّف نفسا إلا وسعها. ونحن، لذلك، لا نطالبك، شخصيا، بالمعجزات في حل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تعصف بالبلد، لكننا نرى أن المشاركة الوطنية في اتخاذ القرار هي التي تضع على كاهل الجميع، مسئولية مواجهة التحديات.
ومن حسن الحظ أن لدينا في الأردن، آلية دستورية ديمقراطية لتأمين تلك المشاركة، تتمثل في دستور 1952 الذي كان أبرز انجازات جدكم الملك طلال بن عبد الله ـ رحمه الله ـ وهو ما يزال، حتى اليوم، يحظى بحب الأردنيين بفضل ذلك الدستور.
أننا نطالب، مع الشعب الأردني كله، بالعودة إلى دستور 1952، وتفعيله والالتزام به، نصا وروحا، وعقد انتخابات نيابية مبكرة، حرة ونزيهة على أساس قانون النسبية ضمن المحافظة، وتشكيل حكومة نيابية مسئولة قادرة على تحمل المسئوليات الجسام في المرحلة المقبلة، في مجالات السياسة الخارجية والداخلية.
جلالة الملك،
أن أعلى وأغلى مهمة وطنية لجلالتكم، هي الحفاظ على نظام دستوري ديمقراطي تكونون فيه الرمز والحَكم، بينما تحتاج القوات المسلحة الأردنية الباسلة إلى جهودكم الحثيثة لضمان الانتصار على الصهيونية في معركة آتية، يفرضها علينا التاريخ، شئنا أم أبينا.
عمان في 25 أيار 2008