ضربني و اشتكى...سبقني و بكى. من منا لا يعرف هذا المثل العربي. المشكل أنه لدينا العديد من الأمثال الشعبية و لكننا لم نستخلص منها العبر و النتائج. و في الواقع، نحن لم نستخلص يوما العبر و النتائج من الأحداث التاريخية و السياسية التي عصفت و تعصف بمنطقتنا العربية. منذ الأزل و إلى يومنا هذا و العاطفة هي التي تتحكم بنا و في آرائنا و أفكارنا و تسيطر على قراراتنا. إلى حدّ يومنا هذا لم أرى عربيا واحدا يحتكم إلى العقل. يكفي أن أقول أنني مع زوال إسرائيل و مع خروج الولايات المتحدة من المنطقة و مع وضع الحجاب ومع حكم الدولة وفق الشريعة الاسلامية و أنني مع البرنامج النووي الايراني حتى أصبح ذا شعبية في الأوساط العربية. أما إذا حاولت أن أعمل العقل و أنا أعلم أن الإسرائيليين، أو فئة منهم لن تتنازل عن إقامة دولة إسرائيل و أن الولايات المتحدة ليست بذلك الشرّ الذي نعتقده و أن النووي الايراني يمكنه أن يتحول يوما إلى كابوس للعالم العربي حتى أصبح عميل و خائن
بما أنه هناك فئة في إسرائيل لا تقبل زوالها، و هناك فئة في العالم العربي لا تقبل قيامها، إذن وجب علينا الدخول في مفاوضات إذا ما اخترنا طريق السلام. و عندما أقول المفاوضات، لا يعني ذلك الاستسلام أو الخضوع إلى الشروط الاسرائيلية فأنا ضد التنازل المتواصل، و لكن على الطرف الآخر أن يقوم هو أيضا بتقديم تنازلات. لست أعمى أو أصم. فأنا أقر أن إسرائيل تخطت الحدود في تعاملها مع الفلسطينيين و أنها لا تراعي لا القوانين الدولية و لا الانسانية و لا الدينية. أقر أن إسرئايل تتبع سياسة إرهاب الدولة و أن فئة فيها تعيق التوصل إلى السلام العادل و الشامل في المنطقة. و لكن في واقع الأمر ايضا، ألم نخطأ نحن العرب كثيرا؟ ألم نكن نتمتع بمناطق كبيرة إبان التقسيم لفلسطين؟ ألم يرفضها العرب؟ ألم ينصح الزعيم التونسي بورقيبة الفلسطينيين بقبول التقسيم و تطبيق المثل القائل "خذ و طالب" بحيث يكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة و يمكنهم بعدها الدخول فيما يشاؤون من تفاوض أو حروب المهم أن يكونوا دولة معترف بها و لديها جيشها؟ ألا تعتقدون أنه لو أن العرب قد قبلوا قرار التقسيم، لربما كان العلم السوري يرفرف إلى الآن على هضبة الجولان و لكان العلم اللبناني يرفرف على مزارع شبعا و لما خاضت مصر حروب يونيو و أكتوبر و لما تشتت غالبية الشعب الفلسطيني و لكنا وجهنا طاقتنا و أموالنا تجاه التنمية؟ فكّروا في الأمر لحظة و اربطوا بين مختلف الأحداث. صحيح أنه ربما كنا سنعيش لحظات و أحداث أخرى و لكن هل تعتقدون أنها ستكون على نفس درجة السوء؟
أعود إلى جوهر المقال: "ضرني و بكى...سبقني و اشتكى". أعتقد أن حزب الله و المعارضة اللبنانية قد أحسنت تطبيق هذا المثل العربي. فبعد أن استغلت المعارضة اللبنانية دعوة الاتحاد العمالي العام في لبنان إلى إضراب شامل و أقامت الحواجز و أغلقت طريق المطار و تسببت في وقف الرحلات و أوقفت العمل في الميناء و سيطرت سيطرة كلية و شاملة على العاصمة بيروت و هددت أمن عدد كبير من القيادات و السياسيين و رجال الأعمال و رجال الدين من فريق 14 آذار أو المتعاطفين معهم و قامت بالقوة بإغلاق عدد من المؤسسات الأعلامية التابعة لفريق 14 آذار و وجهت بذلك رسائل ملغمة إلى بقية الإعلاميين المتعاطفين أو المستقلين و رفضت الإدلاء بأي تصريح أو المشاركة في برامج مؤسسات أخرى بحيث أصبح الخبر محتكرا من طرفها و من ثمة تم تصدير أعمال العنف إلى مناطق أخرى من لبنان مع استخدام المعارضة لكل أنواع السلاح و حتى المدفعية الثقيلة و بالرغم من أنه انكشف من الفريق الذي يعمل على التسلح و التدريب، سرعانما أطل علينا مسؤولو الحزب بطلعتهم البهية و بلباسهم الإيراني ليتلوا بياناتهم الكاذبة و الخاطئة عن تعرض أنصار المعارضة لأعمال عنف الأمر الذي أدى إلى اندلاع المواجهات. على من يطلي هذا الحديث؟ هل مجرد التعرض لأعمال عنف يمكن أن يؤدي إلى قطع طريق المطار و محاصرة القادة و إغلاق المؤسسات الإعلامية و محاصرة كل العاصمة و تصدير المواجهات إلى أماكن أخرى؟
ألم يسبق أن أعلن النائب ميشال عون و النائب السابق المختل عقليا وئام وهاب و الأمير طلال أرسلان و سليمان فرنجية أن المعارضة تدرس إمكانية التطوّر في آليات صراعها مع السلطة؟ الأمر بسيط. المعارضة كانت تبحث عن حصان طروادة. و الإضراب العام كان هو ذلك الحصان حتى تعلن المعارضة عن عصيانها المدني بتعلّة اندلاع أعمال عنف و شغب. و لكن الأمر مفضوح و واضح
شيء آخر. يصف الجميع حكومة السنيورة بأنها حكومة عميلة و خائنة و أن عددا من مناصريها كانوا على اتصال بأمريكا و إسرائيل خلال حرب صيف 2006. و هذا الخبر مضحك مبكي. ذلك أنه إذا ما كان صحيحا، و لا أعتقد أن أحدا منكم قد قرأ أو شاهد ملفا سريا عن ذلك و بالتالي فإنه لا يجوز اتهام أطراف دون حجج و هذا مبدأ قانوني، إذن كيف يمكن لحكومة السنيورة التي وصفها رئيس المجلس النيابي و زعيم حركة أمل الرئيس نبيه بري بحكومة المقاومة السياسية خلال الحرب أي الحكومة التي رفضت التفاوض و رفضت الإملاءات على حساب المقاومة، و كيف يمكن أن تكون حكومة السنيورة التي طلبت من قيادة الجيش السماح بوصول السلاح إلى حزب الله أثناء الحرب و بعدم احتجاز أي سيارة أو مركبة تابعة له أن تكون فيما بعد عميلة؟ كيف يمكن أن تكون حكومة السنيورة التي رفضت زيارة رايس و اعتبرتها شخصا غير مرغوب فيه خلال الحرب أن تكون حكومة خائنة؟ كيف يمكن لحكومة السنيورة التي اقترحت النقاط السبع الذين وافق عليهم حزب الله من أجل وضع حد للحرب أن تكون حكومة تأتمر بأوامر الغرب؟ لماذا تتناول وسائل إعلام المعارضة زيارة المسؤولين الأمريكان و البريطانيين و الفرنسيين إلى أقطاب الموالاة و لا تتناول زيارتهم لأقطاب المعارضة؟
بل أبعد من كل ذلك. إن كانت حكومة السنيورة و إن كان فريق 14 آذار فريقا عميلا و خائنا و مؤتمرا بأوامر واشنطن و يفتح قنوات سرية مع تل أبيب، فلماذا قبل حزب الله و حركة أمل الدخول في هذه الحكومة؟ حتى عندما اعتكف الوزراء الشيعة لم يعتكفوا بسبب عمالة أو خيانة الحكومة بل اعتكفوامرتين خلال إعداد الحكومة لملف المحكمة الدولية و مناقشة قانونها. إذن فالسبب واضح. السبب سياسي و هدفه إخفاء أو مساعدة طرف ما
لو كانت الحكومة و من يقف خلفها من العملاء فلماذا تقبل المعارضة بالمشاركة فيها بل أبعد من ذلك لماذا تبحث المعارضة عن حكومة وحدة وطنية؟ أنا مقتنع أنه عندما يكون للمرء مبدأ، فإنه لا يتنازل عنه. و شخصيا لو كنت مكان المعارضة و لدي ما يثبت تورّط السلطة خلال الحرب فإنني أضع تلك الملفات تحت ذمة الشعب والقضاء و أرفض رفضا قطعيا و نهائيا الدخول في تحالفات مع الحكومة القائمة أو مع البعض من فريقها. و لكن و لأن المسألة سياسية لا غير و لا تعدو أن تكون فقاعة أقامتها المعارضة، فإن المحلل للأمور يرى أن المعارضة اللبنانية و من خلفها حزب الله لا تريد الوصول إلى حل أو هي تريد الوصول إلى حل يلبي رغباتها و بكبّل غيرها. فكرّوا في الأمر