في اتصال مع أصدقائي بلبنان و بصفة خاصة المجودون منهم بكل من بيروت و طرابلس، أكدوا لي أن الأوضاع تتوجه نحو الهدوء لكنها قابلة للتصعيد في كل لحظة. من الواضح أن حزب الله لن يستسلم و لن يعترف يوما بالدولة اللبنانية فكيف لا و هو الذي شكر سوريا الأسد يوم 8 آذار. شكرها على سلسلة الاغتيالات و الاعتقالات التي قامت بها المخابرات السورية. شكرها و هي التي كانت تسيّر الدوريات الأمنية و العسكرية في لبنان. شكرها و هي التي يوما لم تعترف باستقلال لبنان منذ العام 1943. شكرها و هي التي تعتقل آلاف الأسرى اللبنايين في السجون السورية و لم يحرّك حزب الله ساكنا. هل يمكن أن يخبرنا السيد حسن نصرالله، أين هم الأسرى اللبنانيون لدى سوريا؟ ألا يرى و يسمع حزب الله آلام الأمهات و الزوجات و الأبناء الذين لا يعرفون شيئا عن أزواجهم و أبنائهم و آبائهم منذ أكثر من 30 سنة؟ أم هل أن حزب الله يختار ما يسمعه و مايراه؟ نعم إنه كذلك و إلا لما هدّد قناة المستقبل وتسبب في إيقاف بثها و لما عزف عن الإدلاء بأي تصريح لعدد من القنوات التلفزية العربية و الأجنبية و لما قامت الميليشيات التابعة له باعتراض الصحفيين و احتجاز أشرطتهم و أدوات عملهم. أهذا هو الحزب الذي تساندون؟ إنه لا يعرف معنى الحرية...لا يعرف معنى الإختلاف في الرأي...لا يعرف معنى الاستقلال و السيادة و الدولة...لا يعرف معنى التداول على السلطة أو الانتخاب
ألم يقل يوما السيد حسن نصر الله أنه يقطع يده على أن يوجّه حزب الله سلاحه إلى الداخل؟ و لكن الأيام القليلة الماضية برهنت أن حزب الله و مناصريه استغلوا الدعوة إلى إضراب عام حتى تكون تعلّة لهم من أجل افتعال أعمال عنف و الدعوة إلى عصيان مدني. إنها عملية مكشوفة من حزب الله خاصة و أن مناصريه هم من افتعلوا المعارك. و الشيء من مأتاه لا يستغرب. أوليس حزب الله هو من سبق له و أن افتعل حربا مع إسرائيل؟ ألم يقل الحزب أن إسرائيل كانت تستعد إلى ضرب لبنان؟ أين هي البراهين اليوم؟ قد تقبلون أنتم، عامة الشعب العربي، ممن تسيطر عليهم العاطفة و ممن ينصرون كل من يتفوه بعبارات التهديد تجاه تل أبيب أو واشنطن دون أن يعملوا العقل، أما أنا و كرجل قانون، فإنني لا أقبل أبدا قناة قالوا أو عن عن. فإما أن تكون هناك وثائق محسوسة و غير مزورة و إلا فإنني لن أقبل أبدا ما يقال. فقط القرآن الكريم و عدد من الأحاديث الصحيحة التي أقبلها أما السيد حسن نصرالله فهو ليس بنبي أو اله حتى يؤخذ كلامه مسلّما به.
الأحداث الأخيرة بيّنت بالقاطع من هو الفريق الذي يملك السلاح و من استطاع في غضون سويعات من احتلال بيروت و نقل أعمال العنف إلى مناطق أخرى. فوئام وهاب، زعيم تيار التوحيد المعارض ظهر وهو يحمل جهاز لاسلكي حتى يقوم بالتنسيق بين أنصاره و المعارضة. أما أنصار الحكومة و لئن استعملوا السلاح، إلا أنه لم يكن السلاح الدذي تم تصويره في بعض وسائل الاعلام. فلقد بان بالمكشوف أنهم لا يملكون سوى أسلحة خفيفة و مسدسات خاصة للدفاع عن النفس و هي التي تم استعمالها. و بان بالمكشوف من هو الفريق الذي يدعو إلى التهدئة و من طلب انتشار الجيش. ألم يكن فريق 14 آذار هو المبادر إلى التهدئة؟
سبق و أن قلت لأصدقائي يوما أن حزب الله لن يتوقف و أنه لن يحترم قراراته و أنه سيوجه سلاحه لا محالة إلى الداخل اللبناني. و سبق أن كتبت عن السراي الحكومي و عن قادة 14 آذار المحاصرين و عن انقلاب حزب الله قبل أن يقوم حزب الله بكل تلك الخطوات، و لكن ما من أحد صدقني بل تم تصويري على أنني عميل و خائن.
نفس الأحداث وقعت في غزة. عندما بعثت حماس القوة التنفيذية، لم أوافق على ذلك بالرغم من أن مطلب حماس كان شرعي و هو أن يتم فتح مؤسسات الدولة لكل الفلسطينيين و أن لا تحتكر حركة فتح السلطة مثلما هو الأمر في عدد كبير من الدول العربية حيث الإدارة و الأمن تابعين للحزب الحاكم. و لكن كان لا بد من العمل بحذر مع مطلب حماس. فنحن لم نكن في إطار عادي و الدولة غير موجودة أساسا إلا في كتب التاريخ و الجغرافيا العربية. حذّرت و أنذرت من القوة التنفيذية و أنها لن تكون مجرد مشاركة في السلطة. ففي الوقت الذي انتعض فيه العالم، كل العالم، من وصول حماس إلى السلطة، كان الرئيس محمود عباس الوحيد الذي ساند وصولها إلى السلطة و توجه مخاطبا إسرائيل و الولايات المتحدة و أوروبا قائلا إن الشعب الفلسطيني اختار حكومته بكل ديمقراطية مسؤولة. إنها ضريبة الديمقراطية و عنها لن نتنازل. لكن حماس و عدد من العرب من أصحاب العاطفة لا العقل، سرعانما انقلبوا على الشرعية و على قرارات الرئيس الفلسطيني مستغلين وقوفه إلى جانبهم و مستغلين القوة التنفيذية التي لطالما أكدوا أنها من أجل المشاركة و تنظيم الأمن و السير و أنها لا تهدّد أحدا.
فهل ننتظر اليوم أن يحصل بالمثل في لبنان؟ أو هو يحصل فعلا. و لكنني متأكد أنه يسحصل مع إيران التي يؤيد برنامجها النووي العديد من العرب دون أن يكونو على دراية واضحة بمعالم السياسة الإيرانية و الايديولوجيا الفارسية و بمصالح إيران و مطامعها. قد يكون النووي الايراني فرصة من أجل ليّ ذراع إسرائيل و لكنه من الممكن أن يتحول و بسرعة إلى سلاح يستعمل ضد دول عربية شقيقة
إسرائيل التي حاصرت بيروت مرتين: العام 1982 و العام 2006. تحاصر بيروت اليوم للمرة الثالثة و لكن عن طريق حزب الله الذي يبدو أنه اكتشف استراتيجية عسكرية جديدة اسمها : على خطى إسرائيل و حماس
و بالله عليكم أريد أن أختم بشيء لطاما أكّدت عليه مرارا و تكرارا. نحن اليوم متفتحون على العام الخارجي. ننفذ إلى شبكة الانترنات حيث المعلومة متوفرة. و مازلت أرى أن عددا كبيرا منكم يردّد ما يقةله حزب الله و المعارضة اللبنانية دون أن يتكبد عناء البحث عن الحقيقة و عن المعلومة. بالتالي يردّد الكثيرون أن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة غير شرعية و غير ميثاقية و غير دستورية. و لقد سبق لي أن كتبت في الموضوع و سبق لي أن نشرت الدستور اللبناني و نص اتفاق الطائف بالعربية و الفرنسية و الانقليزية حتى يطّلع عليه القراء. و اليوم أطلب منكم أن تقرؤا الدستور اللبناني و نص اتفاق الطائف و سترون، و خاصة منكم من هم قانونيّو التكوين، أن حكومة الرئيس لبسنيورة هي حكومة دستورية و شرعية لأنها لم تفقد بعد انسحاب الوزراء الشيعة، لم تفقد ثلث أعضائها حتى يتم اعتبارها مستقيلة أو غير دستورية. بالتالي إن كل من يقول عكس ذلك إنما هو يخالف الدستور و يخالف اتفاق الطائف مثلما هو يخالف اليوم العيش المشترك و يضرب به عرض الحائط و يوجه سلاحه و مدفعيته الثقيلة إلى شقيقه
و أما عن الأغلبية، فلعلمكم أنها كانت الأقلية. جنبلاط و الرئيس الشهيد الحريري و غيرهم من قادة 14 آذار، كانوا من الأقلية في المجلس النيابي و كانوا من المعارضين خاصة مع فرض سوريا رغبتها في التمديد للرئيس الحليف لها إميل لحود. و لكن الأقلية تحوّلت إلى أغلبية بفضل لنتخابات حرة و نزيهة تدل على رغبة اللبنانيين في أن يحكموا أنفسهم بنفسهم و أن تغادر سوريا لبنان مثلما كان مقررا منذ سنوات و أن تبسط الدولة استقلالها و سيادتها و هو مطلب مشروع
كل دول العالم المستقلة اليوم، تتمتع بالسيادة و تمسك بقراري السلم و الحرب
حزب الله قاوم...نشكره على ذلك و لكن جميعنا قاوم. ألم يصف الرئيس نبيه بري زعيم حركة أمل حكومة السنيورة بحكومة "المقاومة السياسية"؟ ألم نشاهد الرئيسين السنيورة و بري يتجولان معا في شوارع بيروت و أزقتها يعيد الهجوم الاسرائيلي الهمجي في حرب تموز/جويلية 2006؟ ألم يعلن حسن نصرالله موافقته على نقاط السنيورة السبع و الذين أةقفوا إطلاق النار و أنهوا حرب 2006؟ ألم يرفض السنيورة لقاء كوندوليزا رايس؟ بعد كل هذا و بسرعة البرق، يتحول الرئيس السنيورة إلى عميل و خائن؟
أما الذين يتحدثون عن ملايين الدولارات التي صرفتها الولايات المتحدة من أجل دعم حكومة السنيورة، فإن الأمر لا يتعدى مجرد ذر الرماد في الأعين. في واقع الأمر لقد قام مسربو هذا الخبر بعملية بسيطة و صحيحة في الحقيقة و لكنهم غيروا من معالمها ووظفوها بطريقة خاطئة. فهم قاموا بإدراج الأموال التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية كدعم للبنان في مؤتمر باريس و على هامش عدد من اللقاءات و الندوات الاقتصادية و السياسية و عدد من الهبات و القروض إضافة و هي في مجملها موجهة إلى الشعب اللبناني و صوّروها على أنها مساعدات أمريكية مباشرة من أجل دعم حكومة السنيورة و كأنهم نسوا أن عائلة السنيورة عائلة ميسورة جدا ماديا و أن تحالفه يضم عدد من أكبر و ارقى و أغنى العائلات اللبنانية مثل عائلة الحريري (14 مليار دولار) و جنبلاط و الجميل و غيرهم
إن حزب الله يريد بسط سيطرته و نفوذه بالقوة. و في هذا الأمر لعب بالنار و استهتار بالسلم الأهلي و فرض لسياسة الأمر الواقع و انعدام احترام لبقية أفراد الشعب و طوائفه و ضرب مستمر للدولة. هذه الدولة التي ينسى أو هو يتناسى أن بنائها يتم أيضا لمصلحته و لمصلحة أبنائه و مناصريه. اليوم 14 آذار في السلطة، غدا ربما نرى الانتخابات توصل فريق 8 آذار. فماذا يريد فريق 8 آذار أن يحكم؟ هل يريد أن يحكم دولة أم أنه يريد أن يحكم هندها أطلال دولة؟ أم هل يفضل أن يحكم مجموعة من الدويلات و ممالك الطوائف؟ ألا نستخلص العبر من الماضي؟ ألم نخسر الأندلس نتيجة الدويلات و الانقسامات و الطوائف؟ هذا هو الفرق بيننا كعرب و بين بقية العالم و بصفة خاصة اليهود و الأمريكان