قد نختلف في الرّؤى و طريقة معالجة المشاكل، و هذا أمر طبيعي أرجعه إلى الطبيعة الانسانية. فنحن نختلف من شخص لآخر، لكل منا طبيعته الخاصة، و تفكيره الخاص،و طريقة تحليله للأمور، و هذا هو الانسان الحقيقي، لأنه إذا ما فكرنا جميعا بنفس الطريقة فإننا سنلغي المغزى الأساسي للوجود الانساني و سنصبح كالانسان الآلي. بالتالي، و نظرا لمشاكلنا الداخلية في تونس، أو الاقليمية على المستوى المغاربي و العربي، أو حتى الدولية، لكل منا طريقته في النظر لها و تحليلها و البحث عن الحل المناسب لها، و لكل منا مصالحه أيضا و هذا أمر متعارف عليه خاصة في عالم السياسة و الاقتصاد. لكن عندما ننظر للأمور المتعلقة بعالمنا العربي و قضاياه و بصفة خاصة القضية الفلسطينية و المسألة اللبنانية، فإن لكل فرد منا نظرته و تحليله. منا من اختار المقاومة المشروعة، و منا من اختار طريق الترهيب، و منا من اختار طريق السلام و التفاوض. منا من يساند فريق 14 آذار، و منا من يدافع عن فريق 8 آذار، و هناك من يبحث عن الحل الوسط، و في كل الحالات منا من لا يفقه شيئا عن هذه القضايا فتراه يتسكع بسيارته و معه الجميلات، فلا يهمه ظلام غزّة و لا يستدعي انتباهه التدهور الخطيرللأوضاع بلبنان. أهم ما لاحظته هو أن فريقا واحدا، و هو الفريق المتبني للمقاومة و العمليات العسكرية و للتصعيد و للقومية و التوجه الاسلامي، هو الفريق عينه الذي يخوّن الآخرين و يصفهم بالعمالة و يكفّرهم، و كأنني، و كأننا، الفريق العميل و الخائن و الكافر، كأننا لا نهتم لفلسطين أو العراق أو لبنان، أو لقضاينا الأخرى الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية. بالله أوقفوا مثل هذه الترّاهات، فأنتم لستم أكثر وطنية و عروبة منا، توقفوا عن تكفيرنا...من أنتم حتى تحاكمونا؟ حتى الرسول الأكرم، لم يقم بما تقوموا به. عندما حارب الرسول الكريم محمد صلعهم المشركين، لم يغدرهم يوما، لم يقتل النساء و الأطفال و الشيوخ، لم يمسس المدنيين، و حتى قبل الدخول في حروب مع المشركين و مع الامبراطوريات القائمة آنذاك، كان يفاوض، و يرسل المرسلين و الرسلات، و كانت القوة آخر ما يستعمله، فلماذا لا يكون محمد بن عبد الله، رسول الله، مثالا لنا و للقاعدة، للظواهري و لبن لادن، و للمقاومة العراقية و لحماس و لحزب الله و للإخوان المسلمين و للخوانجية و لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب و غيرهم؟ لماذا علينا أن نفجر السيارات و الانتحاريين و نعتبر المدنيين العزّل ضحايا حرب؟ فأين العروبة و أين الدين؟ لماذا تصفوننا بالعمالة؟ هل من المعيب أن تكون لنا علاقات جيدة مع أمريكا أو فرنسا أو بريطانيا أو غيرهم؟ لماذا تصفوننا بالخيانة؟ هل من المعيب التحدث للاسرائيليين و التفاوض معهم؟ ألم يقل القائل: اعرف عدوّك؟ لماذا تريدون القطيعة و ان نظهر بمظهر السفاحين؟ لماذا تريدون الدمار عوض الاعمار؟ لماذا تريدون الموت عوض الحياة؟