mercredi, juin 04, 2008

وفاة جديدة


اليوم بطبيعته يمر كئيبا. فالذكرى الثانية لوفاة والدي عن عمر يناهز 51 عاما ليس بالأمر الهيّن علينا. أن يترك أرملة و أبناءا أعمارهم ما بين25 و 10 سنوات في حينها، لم يكن بالأمر الذي نستطيع أو أستطيع شخصيا، أن أنساه.



لطالما فكّرت في اليوم الذي سيكون فيه والدي إلى جانبي عند حصولي على أفضل المراتب في الدراسة و العمل، أو أن يحضر زفاف شقيقتي أو أن يرى أبنائه و هم يتدرجون بنجاح، و الحمد لله، في سلّم الدراسة و العمل و يحضون باحترام الجميع. و لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. أراد الله غير ذلك و ليس لنا إلا أن نرضخ أمام إرادته الألهية مهما كانت مؤلمة أو محزنة



عندما تحصلّت على الماجستير، كان غياب والدي ملفتا. لطالما وضعت قائمة بأسماء الأشخاص الذين سيحضرون مناقشتي للأطروحة و الاحتفال الذي سأقيمه مساءا. و لكن وفاة والدي غيّرت الكثير من الخطة بالرغم من أن عددا كبيرا من أصدقائي ساندوني يومها سواء من خلال حضور المناقشة أو من خلال الاحتفال مساءا. هي فرحة عندها لم يفسدها سوى دموع شقيقي (17 عاما) الذي ذرفها بعد أن تحصلت على شهادتي بنجاح. نجاح أهديته و منذ تقديمي لعملي أمام اللجنة و أمام أصدقائي إلى روح والدي و إلى أصدقائي في غزة و لبنان. بالرغم من أن العادة اقتضت أن لا يتحدث الطلبة عن مثل تلك الأمور الشخصية أو السياسية خلال تقديمهم لأطروحاتهم، إلا أنني رأيت أنه من الواجب أن أفعل ذلك. ليس من أجل الحصول على دعم اللجنة و تعاطفها، و هو ما قلته في تقديمي، بل هي طريقة من أجل أن أتذكر أبي و أصدقائي و ما يعانينه في غزة و لبنان في مثل ذلك اليوم المهم بالنسبة لمستقبلي



فرحة اختلطت بدموع أمي و جدتي و عدد من أفراد العائلة لأنها أيضا كانت فرحة عقب وفاة جديدة في العائلة. وفاة زوجة خالي تاركة ورائها أبناءا أعمارهم تراوحت بين 13 و 7 في حينها



من بين الحضور في أطروحتي كانت زميلتي في الدراسة ملاك. إسمها ملاك و هي كالملاك. بيضاء...ناعمة...هادئة. لا نستطيع أن نلمسها حتى بأطراف أصابعنا من شدّة خوفنا أن تنكسر. فتاة رقيقة، طيبة، عطوفة و ذات أخلاق و آداب عالية. عندما توفي والدي لم تتأخر على دعمي و مساندتي معنويا. و عندما قدّمت أطروحتى، كانت من بين الحضور.



اليوم، و في لحظة أليمة تتذكر فيها عائلتي مرور عامين على وفاة والدي، وصلني خبر وفاة والدتها فجأة. آلمني الخبر من حيث التوقيت و آلمني من حيث الشخص المعني بالأمر.



أعلم أن وفاة الأم ليس كوفاة الأب. فنحن بالرغم من وفاة والدي و بالتالي غياب جسده و صوته عنا، إلا أنني أرى الفرق بيننا و بين أبناء خالي الذين فقدوا الأم. خالي يعمل و بالتالي هو مجبر على مغادرة المنزل باكرا و العودة مساءا. في تلك الأثناء: من سيحضر لهم فطور الصباح؟ من سينظف المنزل و الفراش و الثياب؟ من سيطبخ؟ من سيهتم بأمور المنزل المالية و التنظيمية؟ من سيهتم بدراسة الأطفال؟ و الفتاة، من سيهتم بتمشيط شعرها؟ من سيستمع لها في المستقبل؟ من سيعلمها فن الطيخ و الخياطة؟ من سيهتم بجهاز العروس؟ أسئلة كثيرة تكثر مع غياب الأم، بالرغم من أن غياب أي واحد من الوالدين، هو خسارة كبرى لا محالة، و لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن لعدد من الأناس أن يرموا بوالديهم في دور للعجز و المسنين؟



على كل، رحم الله والدة زميلتي ملاك و أسكنها فسيح جنانه. و إنا لله و إنا إليه راجعون