lundi, juin 16, 2008

المدوّنون التونسيّون: من الفجور إلى التديّن

من خلال متابعتي لتفجّر الوضع على ت.ن. بلوغ و تعدد المقالات بخصوص الدين و العلمانية و الالحاد، و في إطار التراشق بالاتهامات و تبادل السبّ و الشتائم، أصبحنا بحاجة ماسّة إلى أن يمسك عدد منا بزمام الأمور و أن يكون صوت العقل في زمن العاصفة. و لكن هناك سؤال دفين: من يحرّك مثل هذه النعرات في وقت تشهد فيه تونس حركة احتجاجات في مناطق عدّة؟ لماذا تطفوا الآن و الآن فقط على السطح مثل هذه الآراء المتناقضة عن الدين و الالحاد و العلمانية و عن الجهويات؟ من يستغل هذه الأمور من أجل بثّ البلبلة و التفرقة بين المدونيين التونسيين من جهة و بين مختلف فئات الشعب التونسي من جهة أخرى؟ ثم هؤلاء المدونين الذين تحوّلوا بين ليلة و ضحاها من الفجور و من السهرات الخليعة و من الرقص بين أركان العلب الليلية و الملاهي و من ملاحقة الفتيات بالأعين و عسل الكلام و الإغراء، إلى مدافعين عن الدين الإسلامي الحنيف حتى كادوا أن يتحوّلوا إلى مشائخ و مفتين و علماء و فقهاء حتى لا نقول أنبياء و رسل؟
إنه شعور بالألم أن أرى و أن أطالع تبادل عبارات الكره و الشتم و السبّ و الألفاظ البذيئة دفاعا عن أفكار أصبحت اليوم من طيّات التاريخ و من المفيد تجاوزها حتى نحقّق نهضتنا الصناعية و التكنولوجية و حتى نؤمّن غذائنا و نصلح تعليمنا. أنا لا أدعو إلى قطيعة مع الدين، و لكنني ضد استعمال الدين مطيّة أو الغلوّ فيه و إلغاء الآخر أو أن نتحدث عن الدين و نحن لا نطبّق من تعاليمه شيئا
إن الدين لا يتلّخص في مجرّد الدفاع عن فلسطين، أو مساندة حماس أو حزب الله، أو معارضة إسرائيل أو الوقوف في وجه الولايات المتحدة. إن الدين لا يعني تكفير الآخر أو تقزيمه لأنه يخالفنا العقيدة أو الرأي أو التحليل، بل إن الدين هو معاملة قبل كلّ شيء. الدين هو تهذيب للنفس و تواصل مع الآخر و لا يمثّل قطيعة أو كره.
كما أن الاختلاف حق مشروع و لا يمكننا أن نطالب من ينفي الدين أو من يدعو إلى فصله عن الدولة بالعدول عن أفكاره أو أن نكفّره و نحلّل دمه. الدين أمر شخصي. قد يكون مكمّلا لأمور عديدة. و لكن قبل أن نتحدّث عن الدين و قبل أن نتحوّل إلى فقهاء و إلى أصحاب عمائم: أوليس من الأفضل أن نهذّب أنفسنا و كلامنا و منطقنا و أن نطّلع على مختلف الكتب الدينية و الأديان و أن نكون متفتحين على بقيّة الحضارات و الثقافات بدل أن نكون منغلقين؟ أوليس من الأفضل أن نختار بين الدين من جهة، و الخمر و الزنى من جهة أخرى؟ أم هل أن مبدأ أن الله غفور رحيم تحوّل إلى مبدأ عام و حق مكتسب؟
قال عيسى عليه السلام عن الإنتقام مثلما دوّنه متّى بالإنجيل: "و سمعتم أنه قيل عين بعين و سنّ بسنّ. أمّا أنا فأقول لكم، لا تقاوموا الشرّ بمثله، بل من لطمك على خدّك الأيمن، فأدر له خدّك الآخر، و من أراد محاكمتك ليأخذ ثوبك، فاترك له رداءك أيضا، ومن سخّرك أن تسير معه ميلا، فسر معه ميلين. و من طلب منك شيئا، فأعطه، و من جاء يقترض مالا منك، فلا ترده خائبا."
و عن محبّة الأعداء قال عليه السلام: " و سمعتم أنه قيل: تحبّ قريبك و تبغض عدوّك أما أنا فأقول لكم: أحبوا أعدائكم، و باركوا لاعينيكم، و أحسنوا معاملة الذين يبغضونكم، و صلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم و يظطهدونكم، فتكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات: فإنه يشرق بشمسه على الأشرار و الصالحين، و يمطر على الأبرار و غير الأبرار، فإن أحببتم الذين يحبّنكم، فأيّة مكافئة لكم؟ أما يفعل ذلك حتى جباة الضرائب؟ و إن رحّبتم بإخوانكم فقط، فأيّ شيء فائق للعادة تفعلون؟ أما يفعل ذلك حتى الوثنيون؟ فكونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم السماوي هو كامل."
و قال الله تعالى في سورة العنكبوت، الآية 46: "لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم و قولوا آمنا بالذي أنزل إلينا و أنزل إليكم، و إلهنا و إلهكم واحد، و نحن له مسلمون." و في سورة المائدة، الآية 83، قال تعالى: "لتجدّن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود و الذين أشركوا، و لتجدّن أقربهم مودّة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى، ذلك أن منهم قسيسين و رهبانا و أنهم لا يستكبرون."
وفي ختام آيات المحرمات في الزواج، وما رخص الله فيه من نكاح الإماء المؤمنات لمن عجز عن زواج الحرائر، يقول جل شأنه: "يريد الله أن يخفف عنكم، وخلق الإنسان ضعيفاً"
أما رسولنا الأكرم محمد صلّى الله عليـــــه و سلّم فقد قال: " لا تصدّقوا أهل الكتاب و لا تكذبوهم و قولوا آمنّا بالله و ما أنزل إلينا."
كما أضاف صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا".ويقول: "إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين".ويقول: "إنما بعثت بحنيفية سمحة".وينكر على المتطرفين والمغالين في العبادة أو في تحريم الطيبات، ويعلن أن من فعل ذلك فقد رغب عن سنته "ومن رغب عن سنتي فليس مني".
كما قال صلعهم: " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما و ذلك بمساعدته إن كان ظالما على الإقلاع عن ظلمه
و قال العلاّمة ابن خلدون في مقدّمته: " إن العرب لم يكونوا أهل كتاب و لا علم و إنما غلبت عليهم البداوة و الأميّة، و
إذا تشوّقوا إلى معرفة شيء ممّا تتشوّق إليه النفوس البشريّة في أسباب المكوّنات و بدء الخليقة و اسرار الوجود فإنما يسألون عنه أهل الكتاب و هم أهل التوراة اليهود و من تبع دينهم من النصارى."