اليوم الموافق لـ 4 جوان/يونيو حزيران 2008، يوافق الذكرى السنوية الثانية لوفاة والدي رحمه الله
منذ سنتين، أفاقتني أمي في الصباح الباكر. كان يوم أحد. أخبرتني أن أبي يشعر بتعب شديد. كان بيننا جدي و جدتي و أبناء عمّي و بيت عم والدي و عمّتي. كان يشعر بألم حاد. حاولت أن أضع له الأكسجين و أن أتصل بالإسعاف. لكن أبي طلب أن نأتيه بقارئ للقرآن. في الواقع قراءة القرآن لم تنقطع من منزلنا لا صباحا و لا مساءا منذ أشهر و حتى وفاة والدي. و في الأثناء بدأت اتصالاتي مع عدد من الأصدقاء حتى يتم نقله إلى المستشفى عندما بدأت أسمع صراخا. كانت الساعة تشير إلى التاسعة و النصف صباحا بتوقيت تونس، السابعة و النصف صباحا بتوقيت غرينيتش عندما أسلم والدي الروح إلى خالقه
كانت صدمة قويّة لنا. أوّل وفاة نعيشها تمسّ شخصا قريبا منا. سرعانما انتشر الخبر في المدينة و بين العائلة و الأصدقاء. لحظات حتى امتلأ المنزل و الشارع و بدأت الاتصالات الهاتفية و الرسائل القصيرة و الالكترونية تصل معزيّة أو مستفسرة عن الجنازة أو مؤكدة لحضورها
في اللحظة التي كنا تحت الصدمة كان كبار العائلة يتشاورون عن موعد الجنازة و المقبرة و الطريق. لم أكن في وضع يسمح لي بمناقشة تلك الأمور في ذلك الوقت. فنحن كنا تحت مصيبة، و لولا أننا كنا مؤمنين بقضاء الله و قدره، لا أعلم ماذا كان يمكن أن يحصل لنا
و لكن الخلاف سرعانما دبّ بين أفراد العائلة. قرّر الجميع أن يتم الدفن في نفس اليوم. فإكرام الميت دفنه. و لكن عمّ والدي اختار مقبرة تبعد عنا عشرات الكيلومترات بتعلّة أن مقابر العائلة بها. عندها عارضت ذلك بشدّة و طلبت أن يتم دفن والدي بمقبرة قريبة حيث ولد و ترعرع و حيث عاش و مات. و هي مقبرة بإمكان والدتي أو إخوتي الذهاب للترحم على روح والدي متى شاؤوا دون الحاجة إلى أن يبحثوا عن من يقلّهم في صورة غيابي. و هو ما تم فعلا رغم امتعاض البعض. في الواقع كنت أدرك جيّدا أن الجميع تحت الصدمة و العاطفة و أنهم سيقبلون بأي طلب نطلبه منهم. كنت أعرف أنهم سيقلون عائلتي متى أرادو الذهاب إلى المقبرة و لكن لفترة وجيزة، من بعدها سيذهب كل في سبيله. لذلك أردت أن يتم دفنه بالقرب منا حتى لا نضلّ تحت رحمة أحد
لا يذكر أحد أنه رأى دموعي يومها. لقد أردت أن أكون قويا في نظر أمي و إخوتي و خاصة أنهم صغار. لم أشأ أن أكون عاطفيا. لقد توفيّ والدي، رحمه الله. لا يمكننا العودة إلى الخلف. لقد انتهى الأمر و علينا أن نعايش الوضع الجديد حتى و إن كان مؤلما و قاسيا
فقط بضع ثوان من وقت لآخر أسرقها حتى أذرف الدموع داخل الحمام. و لكن أكثر اللحظات إثارة كانت عندما دخلت و إخوتي لإلقاء نظرة الوداع على جثمان والدي. لقد أثرت في تلك اللحظة كثيرا. لا أستطيع أبدا أن أنساها أو أمحوها من مخيّلتي
كما أن ما آلمني هو نظرة الناس لي و لإخوتي بعين الشفقة كلما رؤونا. يتابعون سيارتنا بنظراتهم و إلى أن نغيب عنهم. لست ممن يريدون الشفقة و لكني أشكر كل من وقف إلى جانبنا وواسانا في مصابنا و لكننا نحن عائلة مؤمنة. نعلم أن كل نفس ذائقة الموت. نحن لا نسأل الله ردّ القضاء و لكن نسأله اللطف فيه
أود ايضا أن أهدي هذا المقال إلى كل شخص فقد عزيزا عليه