vendredi, juin 13, 2008

قمة طرابلس.. انتصار لرؤية تونس للشراكة

بقلم: مختار عبد الرحمان

من حق الدول المغاربية ان تبحث عن مصالحها بعيدا عن مزايدات الفلسطينيين الذين يفاوضون صباح مساء مع الإسرائيليين، والسوريين الذين يحاولون الإمساك بقشة التفاوض حول الجولان ليخرجوا من الحصار الدولي ويفكوا أزمتهم الاقتصادية الخانقة، والمصريين الذين يزايدون على اتحاد ساركوزي خوفا من 'التطبيع' وهم غارقون في التطبيع.

ميدل ايست اونلاين -انحازت تونس دائما إلى عمقها المغاربي والعربي، وتحمست لتدعيم التعاون مع الضفة الشمالية من المتوسط وتحويل هذا الفضاء إلى واحة للتعاون والأمن والسلم، وحرصت على إنجاح هذه الأبعاد دون تصادم أو تناقض بينها، فهي عامل إثراء وإغناء لوجودنا المتعدد والمنفتح، فضلا عما تحققه من مصالح راهنة وبعيدة المدى.

وفي سياق رؤيتها التفاعلية، شاركت تونس في القمة "التشاورية" التي احتضنت العاصمة الليبية طرابلس الثلاثاء والتي كان محورها الرئيسي التشاور حول أسلوب التفاعل العربي المغاربي مع الاتحاد من أجل المتوسط الذي طرحه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.
ولئن خرجت القمة دون بيان ختامي، فهذا لا يعني أنها فشلت أو هناك خلافات نوعية حول هذا الهيكل الجديد.

لقد أبدت بعض الدول المغاربية والعربية ترددا في التعاطي مع الآلية الجديدة، وهو أمر منطقي وعادي، فالمشاريع الجديدة تحتاج دائما إلى الدراسة والبحث والتمحيص والتشاور حولها.

وقد كان وجود الرئيس بن علي في قمة طرابلس داعما لفكرة رئيسية كان يدافع عنها طيلة واحد وعشرين عاما، وهي ضرورة الوعي العربي والمغاربي بأن العالم يسير باتجاه التكتلات الكبرى المبنية على المصالح الاقتصادية، بعد أن أطاح بالتكتلات السياسية والإيديولوجية، وتحتاج دولنا إلى أن تستوعب هذه التحولات سريعا لتؤسس علاقاتها من الآن وفق شروط تحفظ التكافؤ والمصلحة المشتركة وتقطع مع حالة التبعية التي وجد العرب أنفسهم فيها لسنوات طويلة، رغم سيل الشعارات التي أصموا بها الآذان.

وهذه الفهم لما يجري في العالم من تغيرات، يفسّر دعم تونس لمشاريع الشراكة الأورومتوسطية مثل إعلان برشلونة، وأيضا، احتضانها أول قمة لمجموعة 5 + 5، فضلا عن كونها أول المرحبين بمشروع الرئيس الفرنسي حول الاتحاد المتوسطي.

وإذا أخذنا الشراكة بمفهوم المصلحة المتبادلة سنجد أن الدول المغاربية ستكون أكبر المستفيدين من شراكتها مع أوروبا، وبالذات في مشروع الاتحاد من اجل المتوسط، فاقتصادياتنا المحلية لا تستطيع فرادى أن تتحمل تداعيات الأزمات الدولية المتواصلة بنسق جنوني (أزمة الطاقة والأزمة الغذائية..)، وهي أزمات أثرت سريعا على أسعار أسواقنا والقدرة الشرائية للمواطن المغاربي، وستكون البلدان الخمسة أمام أرقام لا تستطيع أن تتحملها عن نسب البطالة والفقر وتراجع النمو إلا إذا انفتحت على أسواق أخرى (عربية خليجية، أو أوروبية أو أمريكية أو أسيوية).

وفي هذا السياق، يشيد الكثير من الدارسين بالنضج السياسي والقدرة على الاستشراف لدى تونس من خلال مبادرتها بالدخول في شراكات عملية مع الدول الأوروبية، أو مع الاتحاد الأوروبي، فقد نجحت إلى حد الآن في التصديق على اتفاقيات ثنائية مع إيطاليا وفرنسا في مجال اليد العاملة، ضمنت من الأولى مواطن شغل لثلاثة آلاف تونسي، ومن الثانية تسعة آلاف سنويا، فضلا عن مزايا اقتصاديا كثيرة ستنعش الاقتصاد التونسي ويجعله ينجح في تفادي تأثيرات الظرف الدولي الصعب، وهناك مشاريع اتفاقيات أخرى في طور الإعداد مع دول أوروبية أخرى ستحقق امتيازات جديدة.

ذكرنا هذه الأمثلة لنؤكد على أن خيار الشراكة الأورو متوسطية خيار ضروري وأكيد لاقتصادياتنا المغاربية، لكن هذا لا يلغي حق دولنا الخمس في مناقشة قضايا أخرى مرتبطة بالشراكة وحدود تطبيقها وخاصة مطالب الضفة الأخرى ومكاسبها من هذه الشراكة، مثل الموقف من قضية الهجرة وأسلوب محاصرتها وملف أمن المتوسط وقضايا الإرهاب، أو الخط السياسي للتحالف الجديد وموقفه من القضايا العربية، أو رؤيته لملف حقوق الإنسان.

وباعتقادنا أن هذه الملفات تحتاج قبل أن تعرض على الشركاء الأوروبيين إلى شراكة سياسية مغاربية، لأن دولنا الخمس سيكون موقفها أقوى وأكثر مشروعية حين يكون منطلقا من موقف جماعي، ولهذا السبب نفهم حرص الرئيس زين العابدين بن علي منذ البداية على تأسيس الاتحاد المغاربي وعمله من أجل تفعيل المؤسسات السياسية لهذا الهيكل وإرساله الكثير من المبعوثين إلى مختلف الزعماء وجهوده في توسيع دائرة المشترك وتقليص دائرة الخلاف.

مع العلم أن هذا الاتحاد لم يعد ترفا نوستالجيا تحض عليه أصوات إيديولوجية، هنا أو هناك، بل أصبح ضرورة ملحة وقدرا مغاربيا، فالشركاء في الضفة المقابلة يطلبون منّا أن نقيم نوعا من التكامل وتوحيد القوانين والإجراءات والرؤى الاقتصادية حتى يُقْدموا على البدء في الشراكة الجماعية، وحتى يجدوا شريكا متجانسا يمكن محاورته حول الموقف من الهجرة وأمن المتوسط وأساليب مقاومة موجات الجريمة المنظمة، وهي قضايا حقيقية وشائكة لا يمكن أن تظل مفتوحة على المجهول.

ومثلما أن من حق الدول المغاربية أن تبحث عن شراكة إيجابية لا تكون على حساب أمنها واستقرارها، فإن الدول الأوروبية تبحث هي أيضا عن ضمانات أخرى تتعلق بحقوق الإنسان، وهذا ملف شائك، ويحتاج إلى قراءة مغاربية مشتركة تقوم على مبدأ أن الإصلاح يتم من الداخل ودون ضغوط من الخارج، على أن لا يكون ذلك مبررا لطي الملف، فسجل حقوق الإنسان أصبح شرطا ضروريا في أي تعاط دولي، وهذا ما فهمته تونس مبكّرا وقطعت فيه خطوات كبيرة لاقت إشادة وتثمين الدوائر العالمية المختصة آخرها مجلس حقوق الإنسان الأممي خلال اجتماعه بجنيف الاثنين، وقد أشاد بالإجراءات العملية التي اتخذتها لتدعيم منظومة حقوق الإنسان.

أما في خصوص موقف "الاتحاد من أجل المتوسط" من القضايا العربية، وبالذات من الملف الفلسطيني، فلا يمكن أن يكون عائقا ما دامت الدول المغاربية الخمس تتبنى رؤية مشتركة ممثلة في مبادرة السلام العربية التي تحتكم إلى القرارات الدولية، وهي نفس الأرضية التي يقف عليها الشركاء الأوروبيون في التعاطي مع الملف، ولا يحتاج الأمر أكثر من جلسات حوار ونقاش ووضع النقاط على الحروف.
مع العلم أن الفلسطينيين يفاوضون صباح مساء مع الإسرائيليين، والسوريين يحاولون الإمساك بقشة التفاوض حول الجولان ليخرجوا من الحصار الدولي ويفكوا أزمتهم الاقتصادية الخانقة، والمصريين الذي يزايدون على اتحاد ساركوزي خوفا من "التطبيع" غارقون في التطبيع.
كما أن الدول التي تحمست لاتحاد ساركوزي وبينها تونس، لم تطبّع كما يفعل غيرها في السر والعلن، ولم تدع إلى التطبيع، وليست في وارد التطبيع، لكنها وبجرأتها المعهودة تريد أن تدفع السياسة العربية إلى الوضح والتخلص من الشعارات التي تركتنا في الوحل وأخّرت تطورنا وارتهنت كل أحلامنا.

وخلاصة القول إن قمة طرابلس حتى وإن لم تصل إلى توافق حول الاتحاد المتوسطي، فقد أرست تقليدا جديدا، وهو التحاور المغاربي بعيدا عن الصخب والمزايدات.

مختار عبد الرحمان
source: http://www.middle-east-online.com/?id=63200