mardi, février 05, 2008

ما هو لون تونس؟


تونس...هذا الوطن الذي يجمعنا و الذي لا أعتقد أنه يوجد أحد فينا يكرهه. ريحة البلاد...من منّا لا يذكر هذه الأغنية لدى عودته إلى أرض الوطن بعد الغربة أو السفر؟ من منا لا يشعر بالسعادة عند ملاقاة الأصدقاء و العائلة؟ يقول المثل العربي أنه ما من عتب إلا و سببه المحبّة. حبنا لتونس هو الدافع الذي يجعلنا نفكر في الأفضل لها و هو الذي يجعلنا ننتقد بعض الأمور. البعض منا يرى تونس بيضاء، لا غبار عليها، كل شيء فيها ممتاز، تحقق النمو الاقتصادي المنشود سنويا، عدد السياح الزائرين في ارتفاع، تعيش في كنف الأمن و الاستقرار و الطمأنينة، لا يوجد ما يعكر صفوها، كأنما هي الجنة. و عدد آخر منا يرى تونس سوداء، النسب كلها خاطئة و مغلوطة، الحكومة لا تشجع على الديمقراطية و حقوق الانسان، استفحال ظاهرة الرشوة و التدخلات و استغلال النفوذ، التعليم في تدهو مستمر، الحزب الحاكم و آليات الدولة التفت على النقابات و تحاول خنق الأصوات ووأدها، خزينة الدولة تنهب، الاعلام متخلف لأقصى الحدود و الأمن يخدم طبقة معينة و لا يخضع للقانون و القضاء غير مستقل. بين هذين الرأيين النقيضين، أرى تونس رمادية اللون. إنه اللون الطبيعي. فلا إفراط و لا تفريط. كثير ما أقارن تونس يعدد من الدول الصديقة و الشقيقة، كما أتناول بعين الاعتبار ما تنشره الهيئات الأممية و المنظمات الدولية و البنك العالمي و صندوق النقد الدولي و منتدى دافوس الاقتصادي، و ما يكتبه العرب و الغرب عنا، ثم أنظر من حولي و أستمع لأصدقائي و لأفراد عائلتي و للمواطنين، بعد كل هذا أصدر انطباعي. كثيرا ما أنصح الأشخاص بمشاهدة بقية القنوات التلفزية للدول الشقيقة و الصديقة و بصفة خاصة النشرات الاخبارية المحلية. و لقد لاحطت صراحة أن الرئيس الوحيد الذي يعمل يوميا دون انقطاع و يعقد الاجتماعات و المجالس الوزارية المضيقة و يتابع مختلف الأنشطة هو رئيسنا. هذا ليس رميا للورود و لكنها الحقيقة. تونس...من بين الدول القلائل في العالم العربي و إفريقيا التي يصل الماء مباشرة إلى متساكينها في الحنفيات فلا يظطرون لشراء المياه الصالحة للشرب و إقامة خزانات مياه فوق أسطح المنازل مثلما هو الأمر في دول عدة بالخليج(السعودية مثلا و إسرائيل) و الشرق الأوسط...تونس من الدول القلائل في العالم العربي و إفريقيا التي لا ينقطع التيار الكهربائي عنها باستمرار و هذا على عكس عدد من الدول في الخليج و الشرق الأوسط (لبنان مثلا). و مع ذلك فنحن لا نحمد الله على النعم التي نحن فيها مقارنة بأشقائنا...فتخيلو الماء لا يصلكم بانتظام أو الكهرباء التي تنقطع يوميا و لساعات؟ ناهيك عن حالة البنية التحتية...فبالاستماع لعدد من الأصدقاء العرب و الأجانب الذي يزورون تونس، يجمع جميعهم على أن البنية التحتية في تونس جيدة و ممتازة مقارنة بعدد آخر من الدول التي زاروها مثل سوريا و لبنان و مصر. عدد آخر يكبر فينا اهتمام تونس بالبيئة حتى أنها تربعت على عرش البيئة العربية مؤخرا. رغم كل شيء، ماتزال شهائدنا العلمية معترفا بها عالميا و تراجع المستوى ليس سببه الدولة بل انعدام ضمير عدد كبير من المربين. لقد سبق لي و أن درست و رأيت أن عددا من المربين يعطي 300% من طاقته و يعطي الاضافة، في حين أن غيره يسجل نسبة سلبية. أحد أصدقائيو هو إطار بالحرس الوطني، لم يخفي دهشته يوم نزل و رفاقه بالمظلات من الطائرة و وقعوا بمنطقة جبلية وعرة توفر بها الماء و الكهرباء و الطريق و المدرسة و كل ذلك بفضل صندوق 26 26، و لم يخفي صديق آخر و هو معارض للسلطة دهشته من قبوله بالمدرسة الوطنية للادارة دونما الحاجة للتدخلات و دون مشاكل له رغم أنه من المعرضين للسلطة و لنا أصدقاء كثر من المعارضين و هم اليوم يعملون بالادارة و الخارجية و القضاء و المحاماة و التعليم. البعض يمتعض من ارتفاع الأسعار و بالرغم من أنني أنتمي للمجتمع التونسي و لست من عائلة غنية، و لكن هذا لا يمنع من أن يكون المرء عقلانيا..فليس فقط سعر البترول الذي ارتفع بل و كذلك المواد الغذائية الأساسية مثل الحبوب و السكر و الحليب، و هي مواد يستهلكها التونسي بكثرة و بلادنا لم تحقق الاكتفاء الذاتي منها، فلماذا نحاول أن نطلب من الوطن أكثر مما يستطيع؟ نأتي الآن للمشاريع الاماراتية بتونس و التي كثر القال و القيل عنها و بصفة خاصة عن جلب العمال الآسياويين و مواد البناء من الخارج، و لكن صديقي المعارض هو الذي أخبرني أن ذلك غير صحيح بل إن تونس اشترطت مشاركة التونسيين بالبناء و التشييد و العمالة و أن يكون شراء مواد البناء من السوق المحلية بدرجة أولى. أليس هذا دليل على أن الوطن فكّر في أبنائه؟تونس...من الدول القلائل في العالم العربي و إفريقيا التي انخرطت في عالم المعرفة و تكنولوجيات الاتصال و عدد كبير من التونسيين اليوم و هم أساتذة إعلامية و مهندسي إعلامية لولا اهتمام السلطة بميدان الاعلامية و تكنولوجيات الاتصال لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه اليوم و لما فتحوا المنازل و اقتنوا السيارات. لماذا نصور دائما تونس و كأنها تتجه نحو الحضيض في حين أننا نعلم تمام العلم أن ما يحصل لتونس يحصل بكل دول العالم حتى الغنية و القوية منها؟ فلماذا يحاول البعض دائما أن يصوّر تونس على أنها سوداء؟ بالرغم من كل ما تقدم، إلا أنني لا أنكر أن الاعلام في تونس مايزال دون المأمول و لكن هل تعتقدون أن السلطة مسؤولة؟ أنا أعتقد أن الاعلاميين أنفسهم هم المسؤولون بالدرجة الأولى. فما هو المشكل من أن نتحث عن "حفرة" ما بطريق ما؟ لقد أصبحنا نعاني من الرقابة الذاتية. فالبعض يعتقد أن مجلرد الكتابة عن حفرة بطريق و كأنه سبّ أو شتم رئيس الجمهورية. ما دخل الرجل بذلك؟ ألم يتحدث هو نفسه عن تلك المشاكل البسيطة و المعقدة؟ لماذا هذه الرقابة الذاتية و هذا الخوف من الظل ثم نلوم السلطة على ما لم تقترفه لا من بعيد ة لا من قريب؟ أتريدون إجابة؟ لأننا في واقع الأمر كتونسيين لا نريد أن ننقد الأوضاع بقدر ما نريد أن نشتم و نسب و نتعرض لأعراض الناس و المسؤولين و حياتهم الشخصية...هذا ما نريده و هذا ما نريد أن نقرأه و نعرفه. أحد المسؤولين قال لي ذات يوم: إن الحرية تفتك و لا تعطى و أنا كثيرا ما توجهت لآخرين مستعملا جملة الرئيس كيندي الشهيرة: لا تنتظروا ماذا سيعطيكم وطنكم...بل ماذا ستقدمون أنتم له