mercredi, mai 06, 2009

حجاب للشهوة و سفور للعقل....بقلم محمد شقير

أعجبني المقال التالي بالرغم من أنه قابل للتأويل على أكثر من صعيد و لكنه على الأقل يدعو إلى الأخذ بباطن الأمور لا بظاهرها لذلك أردت أن أشاطركم إياه


إن قضية مهمة جدا يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لدى بحثنا في فلسفة الدين أو في فلسفة جملة من القضايا الدينية وهي أن للدين مبنى ومعنى، للدين ظاهر وحقيقة، للدين جسد وروح، والتركيز على المبنى والظاهر والجسد مع اغفال المعنى والحقيقة والروح سيؤدي إلى فهم الدين وقضاياه فهما ناقصا بل مشوها، كما أن ادراك تلك القضية أن للدين روحا لكن محاولة فهم حقيقة الدين وقضاياه من خلال فعل الإسقاط المعرفي والفكري على الدين، فهو وإن كان محاولة ترمي الى جوهر الدين لكنها سوف تضل ذلك الجوهر، لأن كل ما سوف تقوم به أنها سوف تعبر عن نفسها من خلال الدين، اي عن رؤيتها الفكرية، ولن تترك الدين يعبر بنفسه عن حقيقته وجوهره وفلسفته.

ومن تلك القضايا قضية الحجاب حيث تضع المرأة لباسا على جسمها بطريقة تسهم في ستر مفاتنها وتعمل على حجب الجانب البدني والمادي في جسد المرأة لصالح اظهار الجانب الإنساني والمعنوي في شخصيتها.

إن هناك حاجة لإدراك فلسفة الحجاب، حيث إن الحجاب هو حجاب للشهوة، فالحجاب في فلسفته هو منع لغلبة البعد الحيواني على البعد الإنساني والعقلي في شخصية الإنسان، إن الحجاب في جوهره موقف يغوص الى أعماق النفس الإنسانية لإعلاء شأن العقل على غيره، حيث إن الحجاب سفور للعقل وإظهار له.

إن رمزية الحجاب تتجاوز الجانب الشكلي لتصل في تعبيرها واقع النفس الإنسانية وطبيعة الصراع الدائر فيها بين الشهوة والعقل او بين البعد الحيواني والبعد المعنوي او بين الجانب المتسافل والجانب المتعالي، حيث يكون الحجاب هنا مناصرة للعقل والبعد المعنوي والجانب المتعالي على الشهوة والبعد الحيواني والجانب المتسافل في شخصية الإنسان.

إن الحجاب في روحه دعوة الى التقوى، يقول الله تعالى: <<يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سواءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون>> (سورة الأعراف: الآية 26)، اذن يوجد لباس للسوأة ولباس التقوى، فاللباس لباسان، لباس لما يسوؤه ان يكشفه، ولباس لما في باطنه يشقيه ان يفقده، الاول لباس البدن، والثاني لباس التقوى، وإن علاقة ما قائمة بين هذين النوعين من اللباس، حيث إن الأول ينبغي ان يكون تعبيرا عن الثاني وتحفيزا له ومساعدا عليه، بينما الثاني لا بد ان يقود الى الاول من باب ان من يمتلك التقوى لا بد ان يمتثل لأحكام الله تعالى، سواء في قضية الحجاب او في جميع القضايا الحياتية والإنسانية.

إن حاجة الإنسان للتقوى تقوى الله تعالى لا تقل عن حاجة الإنسان للطعام، حيث إنه بالتقوى يسلم الإنسان من أخيه الإنسان، وبها يكف أذيته عنه ويأمن شره... فالحجاب هنا بما هو لباس للبدن دعوة الى لباس الباطن الذي هو التقوى، تلك المفردة التي تستر مساوئ الأخلاق وذميم الملكات وتعمل على ابدالها بمحاسن الأخلاق وجميل الصفات وممدوح الملكات، فهذا هو الحجاب في حقيقته وجوهره وفلسفته.

وعليه لا يضر في الحجاب وحقيقته ان البعض لا يفهمه على حقيقته، ولم يستهد الى فلسفته ولم يضع يراعته على معناه الحقيقي، فإذا كانت الحضارة تحتاج الى ترشيد العقل وسلامة النفس من الموبقات والرذائل، فإن في الحجاب دعوة الى تحرير العقل من أسر الشهوة وتحفيز لطهارة النفس وإعمارها بالتقوى ولن يكون الحجاب تعبيرا عن <<الحرمان والمنع والتحريم>>.

إن الحجاب يدعو الى تحويل ميدان المجتمع الى ساحة تغلب فيها العفة والطهارة على الابتذال والتنافس في إظهار المفاتن، ولا يخفى ان توفير البيئة الاجتماعية المناسبة سوف يسهم في التأكيد أكثر على قيم العمل الصالح والانتاج المتوازن في جميع الميادين.

إن الحرمان الحقيقي هنا ان الكثيرين حرموا من فهم حقيقة الحجاب، حيث تصوروه جسدا بلا روح وقالبا بلا معنى وشكلا بلا مضمون. إن المنع الحقيقي هنا هو ألا تأخذ بالأسباب التي تسهم في منع سفور الشهوة وحجاب العقل، حيث إن الحجاب هنا في فلسفته يعمل على المنع من سفور الشهوة لصالح حجابها، وليس كبتها، ويعمل على المنع من حجاب العقل الصالح ظهوره وسفوره.

أما الاسئلة التي تطرح فالانصاف منا يقتضي ان نقول إنها اسئلة في غاية الأهمية حيث ان الاسلام لا يدعو النساء الى الحجاب وفقط، بل يدعو النساء الى الحجاب الذي يستر الرذائل وينمي الفضائل، الحجاب الذي يستر الخبث والشقاوة لصالح العفة والطهارة، الحجاب الذي يستر في الإنسان بعده الحيواني والشهواني لصالح بعده الإنساني والواعي.

وبالتالي ما ذنب الدين إذا كان البعض يتخذه مطية لأغراض دنيوية خاصة، وما جرمه إذا كان البعض يمارسه بشكل خاطئ، او إذا تلقاه البعض على أساس انه مجرد تقليد اجتماعي موروث، فهل نتخذ هذه العينات ذريعة من أجل تقديم صورة غير صحيحة عن الدين، فنقول على سبيل المثال: <<إن... الحرمان والمنع والتحريم برزت كجزء أساسي من ايديولوجيا دينية وسياسية مقنعة وانعكس ذلك بصورة الحجاب>>.

إن هذا الفهم هو فهم غير صحيح للدين والحجاب، وحقيقة الحجاب كما يجب ان تكون عليه لا تؤخذ من الذين لا يملكون فهما علميا ومنهجيا وعميقا للدين وللحجاب، بل تؤخذ من الذين يلتزمون الدين وقضاياه عن وعي وعلم ومعرفة لا عن وراثة وتقليد، حيث إن الحجاب مسألة دينية، والمسائل الدينية لا تبني رؤيتها ولا يكوّن فهمها من خلال استطلاع جزئي للآراء، بل إنما يحصل ذلك من خلال الرجوع الى أهل المعرفة والخبرة بالدين وفلسفته وأحكامه وقضاياه


http://www.alarabnews.com/alshaab/GIF/02-01-2004/a26.htm