كنت أتناول الغداء مع صديق و هو من أكثر الأشخاص الذين قابلتهم في حياتي تغيّرا و انقلابا. أذكر أوّل ما تعرّفنا إليه. كان يستمع كل صباح إلى القرآن الكريم قبل أن يغادر إلى الجامعة. أما هناك، فإن 99% من حديثه و مصطلحاته لا تتجاوز نصفه السفلي أي على عكس ما كان باديا منه خلال الساعات الأولى من الصباح
كان أيضا من أشدّ المعجبين بأدولف هتلر و المدافعين عن صدام حسين و المحبيّن للزعيم بورقيبة و لكنه كان أيضا من أشدّ أعداء الرئيس بن علي
ثم دخل في أزمة نفسية بسبب ضغط الدراسة و لكن الله أنقذه من التدهور و استطاع أن يستعيد توازنه و أن يواصل دراسته و نجاحه. و أصبح هذا الصديق من المتعبدين و المتديّنين بعد أن كان لا يؤمن بوجود الله أو رسله و لا يصوم رمضان أو يصلّي.
فأصبح كثير العبادة و مطالعة الكتب الدينية و الصلاة و كلما مازحته عن ماضيه، يقول لي إن الله قد تاب علي و أنا أدعو لك بالهداية
في الجامعة، لم يتغيّر طبعه و انتقاده للحزب الحاكم و السلطة. كان دائم التواجد بالصفوف الأمامية في كل الاحتجاجات. بل حتى أنه كان يقودها في بعض الأحيان. في إحدى المرات كنت بالمكتبة أطالع. و كانت حديقة الكلية و ساحتها تعجّ بالطلبة الحانقين على الوضع في لبنان و فلسطين. عندها سمعت فجأة صوتا مألوفا فكان هو ذلك الصديق. أسرعت إلى النافذة و شاهدته يخاطب الطلبة. كانت قوى الأمن خارج بوابات الجامعة فتوجّه مخاطبا الطلبة: "لننقسم إلى مجموعتين. المجموعة الأولى هم أبناء الريف و الطلبة الذين يستطعون إصابة هدفهم، فاليرمو الحجارة (كانوا يستهدفون قوى الأمن بالحجارة) و المجموعة الثانية هم الطلبة الذين لا يستطعون إصابة الهدف بوضوح (و كان هنا يستهدف أبناء المنازه و المنارات و حي النصر و الضاحية الشمالية للعاصمة) فأتمنى عليهم أن يستعملوا البرتقال (المتواجد بحديقة الكلية) لتحديد أهدافهم" بصراحة وجدت تقسيمه منطقي و مضحك في آن واحد
إذن انخرط هذا الصديق في الاتحاد العام لطلبة تونس و في أحد الأحزاب المعارضة و أصبح ركيزة من ركائز المعارضة بالكلية
و أنهى دراسته بنجاح و دخل إلى العمل بإحدى الوزارات كإطار من إطاراتها و اعتزل فجأة الحياة السياسية و انسحب من الاتحاد و من الحزب المعارض
في الوقت نفسه أصبح كثير السؤال عن كيفية الانخراط بالحزب الحاكم و عن هياكله و الآفاق بداخله و أصبح من المدافعين عن الدولة و الراغبين أيضا في تكوين جمعية أو حزب
و عاد إلى طبعه القديم و لو جزئيا...فبدأت الصلاة تحضر حينا و تغيب أحيانا. و عندما سألته عن السبب وراء كثرة السؤال عن الحزب الحاكم توجّه قائلا لي، قبل أن يغادر السيارة: لنبقى مع الشرعية إلى أن تسقط...و من في الهاوية، فبطبعه لا يتدحرج
و لمن لم يفهم ما كان يريد صديقي قوله، هو أنه من المفيد في بعض الأحيان الانضواء تحت السلطة و التدرج في المناصب حتى يصبح المرء يوما في المكان و الوقت المناسب الذي يجعله يحقق التغيير المنشود و يلبّي مطالب المواطنين و يصحح مسار الوضع القائم و لا يمكن للمرء في بعض الأحيان أن يقف أمام التيار بالتالي لا بد من مسايرته و هو ما قصده بـ "مع الشرعية إلى أن تسقط" أما عن من في الهاوية، فإنه بطبعه لا يتدحرج، فلقد كان يقصد عدد من المسؤولين الذين هم على يقين بأن العديد من الأخطاء و الانتهاكات و الاختلاسات و الفساد و الرشوة و المحاباة و استغلال النفوذ و صلة القربي، موجودة في تونس، و لكنهم لم يعد بإمكانهم تصحيح الوضع لأنه إما أنه وضع يخدم مصالحهم الضيقة أو أنهم يريدون تفادي المواجهة
مع الشرعية إلى أن تسقط ... و من في الهاوية، بطبعه لا يتدحرج: شعار ردّده صديقي منذ فترة و لكنه ظلّ يرنّ في أذني
كان أيضا من أشدّ المعجبين بأدولف هتلر و المدافعين عن صدام حسين و المحبيّن للزعيم بورقيبة و لكنه كان أيضا من أشدّ أعداء الرئيس بن علي
ثم دخل في أزمة نفسية بسبب ضغط الدراسة و لكن الله أنقذه من التدهور و استطاع أن يستعيد توازنه و أن يواصل دراسته و نجاحه. و أصبح هذا الصديق من المتعبدين و المتديّنين بعد أن كان لا يؤمن بوجود الله أو رسله و لا يصوم رمضان أو يصلّي.
فأصبح كثير العبادة و مطالعة الكتب الدينية و الصلاة و كلما مازحته عن ماضيه، يقول لي إن الله قد تاب علي و أنا أدعو لك بالهداية
في الجامعة، لم يتغيّر طبعه و انتقاده للحزب الحاكم و السلطة. كان دائم التواجد بالصفوف الأمامية في كل الاحتجاجات. بل حتى أنه كان يقودها في بعض الأحيان. في إحدى المرات كنت بالمكتبة أطالع. و كانت حديقة الكلية و ساحتها تعجّ بالطلبة الحانقين على الوضع في لبنان و فلسطين. عندها سمعت فجأة صوتا مألوفا فكان هو ذلك الصديق. أسرعت إلى النافذة و شاهدته يخاطب الطلبة. كانت قوى الأمن خارج بوابات الجامعة فتوجّه مخاطبا الطلبة: "لننقسم إلى مجموعتين. المجموعة الأولى هم أبناء الريف و الطلبة الذين يستطعون إصابة هدفهم، فاليرمو الحجارة (كانوا يستهدفون قوى الأمن بالحجارة) و المجموعة الثانية هم الطلبة الذين لا يستطعون إصابة الهدف بوضوح (و كان هنا يستهدف أبناء المنازه و المنارات و حي النصر و الضاحية الشمالية للعاصمة) فأتمنى عليهم أن يستعملوا البرتقال (المتواجد بحديقة الكلية) لتحديد أهدافهم" بصراحة وجدت تقسيمه منطقي و مضحك في آن واحد
إذن انخرط هذا الصديق في الاتحاد العام لطلبة تونس و في أحد الأحزاب المعارضة و أصبح ركيزة من ركائز المعارضة بالكلية
و أنهى دراسته بنجاح و دخل إلى العمل بإحدى الوزارات كإطار من إطاراتها و اعتزل فجأة الحياة السياسية و انسحب من الاتحاد و من الحزب المعارض
في الوقت نفسه أصبح كثير السؤال عن كيفية الانخراط بالحزب الحاكم و عن هياكله و الآفاق بداخله و أصبح من المدافعين عن الدولة و الراغبين أيضا في تكوين جمعية أو حزب
و عاد إلى طبعه القديم و لو جزئيا...فبدأت الصلاة تحضر حينا و تغيب أحيانا. و عندما سألته عن السبب وراء كثرة السؤال عن الحزب الحاكم توجّه قائلا لي، قبل أن يغادر السيارة: لنبقى مع الشرعية إلى أن تسقط...و من في الهاوية، فبطبعه لا يتدحرج
و لمن لم يفهم ما كان يريد صديقي قوله، هو أنه من المفيد في بعض الأحيان الانضواء تحت السلطة و التدرج في المناصب حتى يصبح المرء يوما في المكان و الوقت المناسب الذي يجعله يحقق التغيير المنشود و يلبّي مطالب المواطنين و يصحح مسار الوضع القائم و لا يمكن للمرء في بعض الأحيان أن يقف أمام التيار بالتالي لا بد من مسايرته و هو ما قصده بـ "مع الشرعية إلى أن تسقط" أما عن من في الهاوية، فإنه بطبعه لا يتدحرج، فلقد كان يقصد عدد من المسؤولين الذين هم على يقين بأن العديد من الأخطاء و الانتهاكات و الاختلاسات و الفساد و الرشوة و المحاباة و استغلال النفوذ و صلة القربي، موجودة في تونس، و لكنهم لم يعد بإمكانهم تصحيح الوضع لأنه إما أنه وضع يخدم مصالحهم الضيقة أو أنهم يريدون تفادي المواجهة
مع الشرعية إلى أن تسقط ... و من في الهاوية، بطبعه لا يتدحرج: شعار ردّده صديقي منذ فترة و لكنه ظلّ يرنّ في أذني