كمال أتاتورك أب العلمانية..ما من أحد يمكنه أن يجادل في ذلك..و كان بالتالي ملهما لعدد من الزعماء و المصلحين أمثال الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة. و اليوم يرى الجميع كيف أن أهم نظامين علمانيين في العالم الاسلامي و هما تركيا و تونس يناضلان من أجل استمرار العلمانية. و لكن للأسف أعتقد أن مفهومنا للعلمانية خاطئ. كما هو الحال في تونس فإن تركيا تشن منذ سنوات حربا ضد الحجاب و مع ذلك فإن صوت الاسلاميين هو المسموع و لعل نتائج الانتخابات التشريعية و الرئاسية خير دليل على ذلك. و لكن هناك سؤال يجب أن يطرح: لماذا نحارب الحجاب الآن؟ ألم تكن محاربة الحجاب في السابق في إطار خطط وطنية أثناء تحرير المرأة و محاربة الجهل و الأمية و بناء الدولة الحديثة و تعزيز الاستقلال و كل هذه الأمور الخواطر زالت اليوم بعد تحقيقنا للاستقلال و النمو؟ لقد قطعت بلادنا شوطا كبيرا على صعيد التنمية فلماذا ننظر إلى الوراء؟ يقول البعض أن الحجاب عائق أمام تطور المرأة و عملها و لكن هذا القول خائب. فالمرأة متحجبة في دول عدة مثل إيران و دول الخليج و سوريا و لبنان و مصر و المغرب و مع ذلك فهي تعمل في كل المجالات من تعليم و صحة و سياسة و نقنية و أمن و عسكر و تقود السيارات و الطائرات و لم يكن الحجاب يوما ضد التقدم. و لكنني شخصيا ضد التعصب في الدين. من الممكن فصل الدين عن الدولة دون الخوض في خصوصيات الناس و إجبارهم على القيام بأمور أنا أعتبرها شخصيا ضد حقوق الانسان و ضد الدستور طالما أنهم لا يمثلون خطرا على الدولة. و لعله إن أردنا العلمانية في تونس فلا بد لنا أن نبدأ بدستورنا و إلغاء الفصل المتعلق بدين الدولة و هو الاسلام. فالدولة ليسن كائنا طبيعيا و بالتالي لا يمكن للدولة أن تعتنق دينا ما كما أنه لدينا مواطنون مسيحيون و يهود و آخرون غير مؤمنين و بالتالي يحق لنا أن نأخذ بعين الاعتبار ما يؤمنون به. أعتقد أن العلمانية هي فكر و سلوك قبل كل شيء. ليس المهم نزع الحجاب عن الفتيات و النساء و العجائز بالأسواق و الساحات العامة و المدارس و الجامعات و الغلو في فعل ذلك الأمر الذي يخلق ردود فعل شعبية ساخطة. لماذا لا تتحدث دول مثل الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا أو ألمانيا عن العلمانية؟ بل إن حتى هذا المفهوم ليس له وجود في قاموسهم. فقط الحرية و الديمقراطية و حقوق الانسان و لئن شهدت هذه القيم هزة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 إلا إنها بقيت صامدة و لم يكن الحجاب يوما عائقا أمام المهاجرين أو معتنقي الاسلام. أعتقد أنه لا بد لنا و إخواننا في تركيا من مراحعة لأنفسنا و القيام بنقد الذات. فالعلمانية سلوك و فكر قبل كل شيء. و إذا أردنا العلمانية بفصل الدين عن الدولة، فلا بد لنا أن نفصلها بدءا من الدستور. الدولة لا دين لها و سدة رئاسة الجمهورية مفتوحة للجميع بحيث يمكن أن يعتليها يوما تونسي مسيحي أو يهودي. كما أنه يجدر بنا التحول من علمانية فصل الدين عن الدولة إلى علمانية فصل الحزب عن الدولة بحيث تكون مفتوحة للجميع