يا له من يوم عصيب. إنه الحادي عشر من سبتمبر و في مدينة باجة التونسية.اليوم حلّ مع الذكرى السنوية السابعة لأحداث 11 سبتمبر في نيويورك. أما عن سبب تواجدي في باجة، فهو مرافقة شقيقتي ووالدتي. فشقيقتي سوف تواصل دراستها الجامعية بباجة و كان علينا أن نقوم بإيصالها إلى المبيت الجامعي. وصلنا باجة في حدود العاشرة صباحا و بصراحة، الحمد لله أنه هناك طريق سيارة بين تونس و مجازالباب. الطريق السيارة تنتهي تقريبا على بعد 30 كم من باجة، أما حالة الطريق فهي جيّدة. دخلنا المدينة (لأوّل مرّة)، و أكثر من انتبهت إليه هو كثرة الناس و كثرة الحركة بالرغم من أن المدينة ضغيرة مقارنة بمدينتي أو بتونس العاصمة. كما أنني لاحظت أن طبيعة الناس مختلفة. فمثلا لاحظت أن عددا كبيرا من السائقين يتوقف في وسط الطريق بصفة عادية ليتحدث لأحد من المارة الذين يعرفهم دون أن يثير ذلك توتر البقية أو أن تقوم بخطأ أثناء السياقة دون أن يحرّك ذلك شعرة بل إنهم يقابلونك بابتسامة. لو كنا في تونس لسمع المرء السبّ و الشتم و أبيات شعرية. و لكن الزيارة لم تكن بالقصيرة و لا بالممتعة. فنحن لا يجب أن ننسى أننا بتونس. وصلنا إلى المبيت بعد أن دلّنا عليه أحد أعوان الأمن و بعض المواطنين. عندما وصلنا كان عدد كبير من الفتيات و الفتيان مع حقائبهم و عوائلهم داخل و خارج المبيت. مواطنين من كل الأشكال و الألوان...من الميسورين إلى الفقراء و من الشمال إلى الجنوب. بعد طول عناء الصف، وصلت شقيقتي إلى المديرة و لكن طلبت منها و بقية الطالبات التوجه إلى مبيت ثان لأن المبيت لم يعد قادر على استيعاب العدد الهائل من الفتيات. من هنا بدأت رحلة البحث عن المبيت الثاني الموجود في حيّ سكني لا يعلم بوجوده إلا الجنّ الأزرق. وصلنا و وجدنا عددا كبيرا من الطالبات و الأولياء. و بعد جهد جهيد وصلت شقيقتي إلى المديرة و ذل في تمام منتصف النهار و النصف. و لكن مع وصولها، سلّمتها عددا من الأوراق من بينهم النظام الداخلي الذي يتوجب عليها إمضاءه و القيام بالتعريف بالامضاء. فبدأت رحلة البحث عن المغازة العامة يث يوجد مكتب للحالة المدنية. و في طريقنا إلى المغازة العامة التي لا يعلم مكانها إلا الجن الأزرق 2، مررنا على قصر البلدية، فدخلت شقيقتي ووالدتي لكنهم أخبروهم أنه عليهم التوجه إلى المغازة العامة. بعد انتظار طويل حيث أن المكان كان يعج بالطلبة و بالمواطنين ، عدنا إلى المبيت لنجد صفا طويلا عريضا. و بعد عناء طويل، وصلت شقيقتي إلى المديرة و لكن علمت أنه لا مجال و أنه عليها أن تعود يوما آخر لأنه لا مكان شاغر و طاقة الاستيعاب فاقت الحد حتى أن المديرة اظطرت إلى وضع 6 و 7 طالبات في الغرفة الواحدة بما فيها غرفة التلفزيون و ذلك حتى يتم إفراغ مبيت ثان يوجد به الأولاد و يحوّل إليه الفتيات. و كان ذلك حوالي الساعة الثالثة و الربع. و الله رغم التعب من المسافة (حواي 4 ساعات قيادة ذهابا و إيابا)، و حرارة الطقس، إلا إن أكثر ما آلمني هو هؤلاء الفتيات ذوات الدخل المحدود حيث أنه ليس بإمكانهن العودة من حيث أتون لأسباب مادية و في نفس الوقت وجدن أنفسهن بدون غرف في الوقت الراهن. إنه استهتار ما بعده استهتار. فكيف يمكن أن يوجه مكتوب للطالبات و من ثمة يتفاجأن بعدم وجود غرف في الوقت الراهن؟ هل يعقل أن لا تقوم السلط المعنية بالاستعداد لاستقبال الطالبات؟ ألم يأخذو بعين الاعتبار تلك الفتيات و حتى الفتيان القادمين من أماكن بعيدة و غير قادرين على العودة أو دفع ثمن العودة إلى المنزل و الرجوع ثانية إلى باجة. إنها إهانات سافرة للذات البشرية التونسية