في بعض الأحيان نتوه في تفاصيل الأحداث و تشعّباتها بحيث نفقد خيوط اللعبة أو تصبح الرؤية ضبابية فتغيب عنّا التفاصيل و نفقد التركيز. لذلك من الصعب أن تتحد المواقف أو أن نتفّق على أمور عدّة. فجميعنا نتفّق على مبدأ واحد وهو أنه لا وجود للحقيقة المطلقة . و لعل أن الأمور تتشعّب أكثر إذا ما تعلّق الأمر بأمور و أحداث سياسية تحكمها خفايا و خبايا كثيرة لا علم للعامة بها و لا دراية فتبقى حبيسة دهاليز القصور و مراكز القرار
في هذا الإطار، يعدّ اعتيال عدد من الزعماء أمثال حون كينيدي أو الموت المتسارع للزعيم ياسر عرفات أو حادثة مقتل الأميرة ديانا، جملة من الألغاز حيث تتشابك المعطيات و الشخصيات و يصبح الجميع في موقع اتهام أو شكّ لأسباب مختلفة قد ترجع بنا حتى إلى خلافات قديمة. و لعل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي يحيي اللبنانيون الذكرى السنوية الرابعة لرحيله ، يعد من أبرز الاغتيالات السياسية في القرن 21 و أحد أكثرها غموضا.
كان رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري قد انضم إلى فريق المعارضة اللبنانية و الذي كان يضم أحزاب الكتائب (أمين الجميل) و التقدمي الاشتراكي (وليد جنبلاط) و القوات اللبنانية (الدكتور سمير جعجع و زوجته ستريدا جعجع) و التيار الوطني الحر (الجنرال عون) و عدد آخر من الأحزاب و النواب و الشخصيات السياسية اللبنانية و كذلك الدينية و من أبرزهم الصرّح البطريركي الماروني
ينسى الناس أو هم تناسوا أن من بين الأسباب التي جعلت سوريا في دائرة الاتهام بأنها كانت وراء من اغتال الرئيس الحريري، هو ذلك المناخ المتوتر من العلاقات بين الحريري و دمشق في تلك الفترة. فالناس، منذ اغتيال الحريري، لم يحاولوا الرجوع بالذاكرة إلى الوراء و بصفة خاصة إلى الأحداث التي سبقت الاغتيال.
و الرجوع بالأحداث يقتضي ربما حتى العودة إلى الجذور التاريخية و التي سأعمل على اختزالها هنا نظرا لضيق الوقت.
لا يخفى على أحد أنه هناك شعبان و دولتان بالمنطقة يحلمان بمدّ أراضهما من دجلة غربا إلى النيل شرقا و تتلاقى بعض مناطقهما في تضارب في أحيان عدّة. فمن جهة، إسرائيل و التي يحلم بعض مواطنيها و سياسييها بإسرائيل الكبرى و من جهة أخرة سوريا و التي يحمل عدد من مواطنيها و سياسييها أيضا فكرة الشام الكبرى. و يرى البعض أن لبنان هو نتاج التقسيم الاستعماري و لو أنه بالعودة إلى التاريخ البعيد، منذ الفينيقيين لتبيّن لنا أن منطقة فينيقيا أو هو الجزء الساحلي خصوصا من لبنان لم يكن يوما تابعا للشام. بل كان له تاريخه و جغرافيته و طبيعته السكانية و تقاليده و ديانته. أضف إلى ذلك أنني و بصفة قطعية ضدّ أن نقوم اليوم بمراجعة للحدود التي خلّفها الاستعمار لأنه ملف لو فتحناه فلن نستطيع أبدا أن نغلقه، ليس فقط في عالمنا العربي و الاسلامي بل حتى في أوروبا نفسها
إذن، اليوم هناك وطن اسمه لبنان شاء من شاء و ابى من أبى. و لكن سوريا لم ترفع يدها عن لبنان يوما و بصفة خاصة مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية و دخول الجيش السوري لبنان تحت اسم "الوصاية" التي أرى فيها شكلا من أشكال الاحتلال مثلما روّجت فرنسا لفكرة "الحماية" في تونس سنة 1881
دخلت سوريا لبنان و اختارت الانحياز لأحزاب و تشكيلات تدعم تعزيز العلاقة مع دمشق بل حتى فيها من يؤمن بالشام الكبرى ة يسعى إلى تحقيق الاتحاد مع سوريا و أخص بالذكر الحزب القومي السوري اللبناني حيث أنه من المفارقات أن يكون حزب يدعو إلى ضمّ بلده إلى بلد آخر فأين الوطنية و أين السيادة و أين العزّة و الرفعة؟
أصبح ممثل سوريا في لبنان بمثابة المقيم العام الفرنسي في تونس. فأغلب القرارات السيادسة تمرّ من خلاله. أما اختيار رؤساء الجمهورية و الحكومات فلا بد له أن يحصل على الضوء الأخضر من دمشق و التي أصبح حلفائها يسيطرون على رئاسة المجلس النيابي اللبناني فيما بعد (الرئيس نبيه بري من حركة أمل). و لكن الرئيس الحريري حاول في فترة أولى أن يبتعد قدر المستطاع عن هاته الأجواء القذرة و أن يركّز على بناء الدولة و إعادة إعمارها وسط وضع إقليمي متدهور أساسا خاصة مع وجود عدو على الباب الجنوبي
و استمر التعايش بين الحريري و دمشق مثلما يكون التعايش عادة بين حكومة اشتراكية فرنسية و رئيس جمهورية غير اشتراكي إلى أن كانت القطرة التي أفاضت الكأس و كان ذلك عندما أبدت سوريا رغبتها في التمديد للرئيس السابق إميل لحود و ذلك عكس مطالب العديد من اللبنانيين و من بينهم الرئيس الحريري نفسه. و لكن الردّ السوري كان واضحا: ما من رئيس للبنان إلا لحود
بدأ الرئيس السابق يململ من التدخل السوري في الشؤون اللبنانية. فالستخبارات السورية كانت تتحكم بلبنان و أمنه. حتى حواجز الأمن كانت في أحيان كثيرة حواجز أمن يقيمها الجيش و الاستخبارات السورية و هو ما يتنافى و مفهوم سيادة الدول
قبل أيام من اغتياله، أشارت تقارير أمنية أمميّة و أجنبية إلى أن الأوضاع في لبنان متأزمة. با إن مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تيري رود لارسن سبق و أن حذّر سوريا من المسّ بالحريري و طلب منه مغادرة لبنان و هو نفس المطلب الذي توجه به النائب الراحل باسل فليحان إلى الحريري و هو الذي اغتيل معه بالموكب
كان فليحان متواجدا في باريس. فباريس باتت من جهة منفى للرؤساء الجميل و عون و مكانا يفرّ إليه ساسة لبنان خوفا من الاغتيال و منهم فليحان و جبران تويني و انطوان غانم
عاد فليحان و طلب من الرئيس الحريري مغادرة لبنان و لكن الرئيس رفض خاصة و انه في اليوم الموالي كانت ستتم مناقشة القانون الانتخابي و كان يريد الحضور
يوم 14 شباط 2005، و مع الساعة العاشرة و النصف صباحا بتوقيت بيروت، غادر الرئيس الشهيد منزله في قريطم متجها نحو المجلس النيابي. يشهد له الجميع أنه كان يتناول أطراف الحديث و النكات مع جميع النواب بما فيهم هؤلاء الذين أساؤا إليه (خاصة ما يسمى بـ 8 آذار اليوم). و لم تفارقه الابتسامة
ثم غادر المجلس نحو مقهى مقابل اعتاد أن يرتاده. مع نزوله درج مجلس النواب كان النائب و الوزير السابق فارس بويز ينزل من سيارته فصافح الرئيس الحريري الذي دعاه ليرافقه للمقهى و لكن النائب بويز اعتذر لأنه سبق له و أن طلب من الرئيس بري أن يسمح له بأخذ الكلمة بالمجلس حول القانون الانتخابي و سيكون من المعيب أن لا يكون موجودا عندما يطلب منه الرئيس بري أن يتدخّل فكان ردّ الرئيس الحريري أنه لا فائدة ترجى من النقاش لأنه لن يقع أي تغيير على القانون الانتخابي و كأنما هو منزل (و كان هنا يقصد سوريا على ما أعتقد و حلفائها بلبنان) و قام بدعوة بويز لمائدة غداء يقيمها في قريطم على شرف عدد من النواب و الوزراء خاصة و انهم كانوا يتباحثون موضوع الانتخابات النيابية.
دخل الرئيس الحريري المقهى حيث كان يتواجد به عدد من الصحفيين.. منهم الموالي له و منهم المعارض. فتبادلوا النكتة و جلس الرئيس في طاولة ثالثة و قال لهم "أنا راح أجلس هون و ياللّي بدّو ياني يجي لعندي" عندها توجه الجميع نحو طاولته
بعيد منتصف النهار غادر الرئيس الحريري المقهى......
كان النائب و الوزير السابق فارس بويز يعقد مؤتمرا صحفيا بالمجلس النيابي. فجأة اهتّزت النوافذ و الستائر من خلفه...صوت انفجار كبير هزّ جزءا من العاصمة اللبنانية و كأنه زلزال
لقد تعرّض موكب الرئيس الحريري لعملية تفجير أودت بحياة الرئيس و النائب باسل فليحان و عدد كبير من مرافقيهم و من المواطنين اللبنانيين الأبرياء الذين كانوا متواجدين بالسان جورج حيث فندق فينيسيا و مارينا بيروت....لقد اغتالوا الرجل الذي عمّر لبنان
في هذا الإطار، يعدّ اعتيال عدد من الزعماء أمثال حون كينيدي أو الموت المتسارع للزعيم ياسر عرفات أو حادثة مقتل الأميرة ديانا، جملة من الألغاز حيث تتشابك المعطيات و الشخصيات و يصبح الجميع في موقع اتهام أو شكّ لأسباب مختلفة قد ترجع بنا حتى إلى خلافات قديمة. و لعل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الذي يحيي اللبنانيون الذكرى السنوية الرابعة لرحيله ، يعد من أبرز الاغتيالات السياسية في القرن 21 و أحد أكثرها غموضا.
كان رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري قد انضم إلى فريق المعارضة اللبنانية و الذي كان يضم أحزاب الكتائب (أمين الجميل) و التقدمي الاشتراكي (وليد جنبلاط) و القوات اللبنانية (الدكتور سمير جعجع و زوجته ستريدا جعجع) و التيار الوطني الحر (الجنرال عون) و عدد آخر من الأحزاب و النواب و الشخصيات السياسية اللبنانية و كذلك الدينية و من أبرزهم الصرّح البطريركي الماروني
ينسى الناس أو هم تناسوا أن من بين الأسباب التي جعلت سوريا في دائرة الاتهام بأنها كانت وراء من اغتال الرئيس الحريري، هو ذلك المناخ المتوتر من العلاقات بين الحريري و دمشق في تلك الفترة. فالناس، منذ اغتيال الحريري، لم يحاولوا الرجوع بالذاكرة إلى الوراء و بصفة خاصة إلى الأحداث التي سبقت الاغتيال.
و الرجوع بالأحداث يقتضي ربما حتى العودة إلى الجذور التاريخية و التي سأعمل على اختزالها هنا نظرا لضيق الوقت.
لا يخفى على أحد أنه هناك شعبان و دولتان بالمنطقة يحلمان بمدّ أراضهما من دجلة غربا إلى النيل شرقا و تتلاقى بعض مناطقهما في تضارب في أحيان عدّة. فمن جهة، إسرائيل و التي يحلم بعض مواطنيها و سياسييها بإسرائيل الكبرى و من جهة أخرة سوريا و التي يحمل عدد من مواطنيها و سياسييها أيضا فكرة الشام الكبرى. و يرى البعض أن لبنان هو نتاج التقسيم الاستعماري و لو أنه بالعودة إلى التاريخ البعيد، منذ الفينيقيين لتبيّن لنا أن منطقة فينيقيا أو هو الجزء الساحلي خصوصا من لبنان لم يكن يوما تابعا للشام. بل كان له تاريخه و جغرافيته و طبيعته السكانية و تقاليده و ديانته. أضف إلى ذلك أنني و بصفة قطعية ضدّ أن نقوم اليوم بمراجعة للحدود التي خلّفها الاستعمار لأنه ملف لو فتحناه فلن نستطيع أبدا أن نغلقه، ليس فقط في عالمنا العربي و الاسلامي بل حتى في أوروبا نفسها
إذن، اليوم هناك وطن اسمه لبنان شاء من شاء و ابى من أبى. و لكن سوريا لم ترفع يدها عن لبنان يوما و بصفة خاصة مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية و دخول الجيش السوري لبنان تحت اسم "الوصاية" التي أرى فيها شكلا من أشكال الاحتلال مثلما روّجت فرنسا لفكرة "الحماية" في تونس سنة 1881
دخلت سوريا لبنان و اختارت الانحياز لأحزاب و تشكيلات تدعم تعزيز العلاقة مع دمشق بل حتى فيها من يؤمن بالشام الكبرى ة يسعى إلى تحقيق الاتحاد مع سوريا و أخص بالذكر الحزب القومي السوري اللبناني حيث أنه من المفارقات أن يكون حزب يدعو إلى ضمّ بلده إلى بلد آخر فأين الوطنية و أين السيادة و أين العزّة و الرفعة؟
أصبح ممثل سوريا في لبنان بمثابة المقيم العام الفرنسي في تونس. فأغلب القرارات السيادسة تمرّ من خلاله. أما اختيار رؤساء الجمهورية و الحكومات فلا بد له أن يحصل على الضوء الأخضر من دمشق و التي أصبح حلفائها يسيطرون على رئاسة المجلس النيابي اللبناني فيما بعد (الرئيس نبيه بري من حركة أمل). و لكن الرئيس الحريري حاول في فترة أولى أن يبتعد قدر المستطاع عن هاته الأجواء القذرة و أن يركّز على بناء الدولة و إعادة إعمارها وسط وضع إقليمي متدهور أساسا خاصة مع وجود عدو على الباب الجنوبي
و استمر التعايش بين الحريري و دمشق مثلما يكون التعايش عادة بين حكومة اشتراكية فرنسية و رئيس جمهورية غير اشتراكي إلى أن كانت القطرة التي أفاضت الكأس و كان ذلك عندما أبدت سوريا رغبتها في التمديد للرئيس السابق إميل لحود و ذلك عكس مطالب العديد من اللبنانيين و من بينهم الرئيس الحريري نفسه. و لكن الردّ السوري كان واضحا: ما من رئيس للبنان إلا لحود
بدأ الرئيس السابق يململ من التدخل السوري في الشؤون اللبنانية. فالستخبارات السورية كانت تتحكم بلبنان و أمنه. حتى حواجز الأمن كانت في أحيان كثيرة حواجز أمن يقيمها الجيش و الاستخبارات السورية و هو ما يتنافى و مفهوم سيادة الدول
قبل أيام من اغتياله، أشارت تقارير أمنية أمميّة و أجنبية إلى أن الأوضاع في لبنان متأزمة. با إن مبعوث الأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط تيري رود لارسن سبق و أن حذّر سوريا من المسّ بالحريري و طلب منه مغادرة لبنان و هو نفس المطلب الذي توجه به النائب الراحل باسل فليحان إلى الحريري و هو الذي اغتيل معه بالموكب
كان فليحان متواجدا في باريس. فباريس باتت من جهة منفى للرؤساء الجميل و عون و مكانا يفرّ إليه ساسة لبنان خوفا من الاغتيال و منهم فليحان و جبران تويني و انطوان غانم
عاد فليحان و طلب من الرئيس الحريري مغادرة لبنان و لكن الرئيس رفض خاصة و انه في اليوم الموالي كانت ستتم مناقشة القانون الانتخابي و كان يريد الحضور
يوم 14 شباط 2005، و مع الساعة العاشرة و النصف صباحا بتوقيت بيروت، غادر الرئيس الشهيد منزله في قريطم متجها نحو المجلس النيابي. يشهد له الجميع أنه كان يتناول أطراف الحديث و النكات مع جميع النواب بما فيهم هؤلاء الذين أساؤا إليه (خاصة ما يسمى بـ 8 آذار اليوم). و لم تفارقه الابتسامة
ثم غادر المجلس نحو مقهى مقابل اعتاد أن يرتاده. مع نزوله درج مجلس النواب كان النائب و الوزير السابق فارس بويز ينزل من سيارته فصافح الرئيس الحريري الذي دعاه ليرافقه للمقهى و لكن النائب بويز اعتذر لأنه سبق له و أن طلب من الرئيس بري أن يسمح له بأخذ الكلمة بالمجلس حول القانون الانتخابي و سيكون من المعيب أن لا يكون موجودا عندما يطلب منه الرئيس بري أن يتدخّل فكان ردّ الرئيس الحريري أنه لا فائدة ترجى من النقاش لأنه لن يقع أي تغيير على القانون الانتخابي و كأنما هو منزل (و كان هنا يقصد سوريا على ما أعتقد و حلفائها بلبنان) و قام بدعوة بويز لمائدة غداء يقيمها في قريطم على شرف عدد من النواب و الوزراء خاصة و انهم كانوا يتباحثون موضوع الانتخابات النيابية.
دخل الرئيس الحريري المقهى حيث كان يتواجد به عدد من الصحفيين.. منهم الموالي له و منهم المعارض. فتبادلوا النكتة و جلس الرئيس في طاولة ثالثة و قال لهم "أنا راح أجلس هون و ياللّي بدّو ياني يجي لعندي" عندها توجه الجميع نحو طاولته
بعيد منتصف النهار غادر الرئيس الحريري المقهى......
كان النائب و الوزير السابق فارس بويز يعقد مؤتمرا صحفيا بالمجلس النيابي. فجأة اهتّزت النوافذ و الستائر من خلفه...صوت انفجار كبير هزّ جزءا من العاصمة اللبنانية و كأنه زلزال
لقد تعرّض موكب الرئيس الحريري لعملية تفجير أودت بحياة الرئيس و النائب باسل فليحان و عدد كبير من مرافقيهم و من المواطنين اللبنانيين الأبرياء الذين كانوا متواجدين بالسان جورج حيث فندق فينيسيا و مارينا بيروت....لقد اغتالوا الرجل الذي عمّر لبنان