كنت في الطريق من بنزرت إلى تونس..كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا..حركة سيركثيفة..الجميع في طريقهم للعمل أو لقضاء شؤونهم. المهم أن أول المظاهر التي انتبهت لها كانت سياقة أحد المواطنين في الطريف العكسية بالطريق السيارة و لمسافة عشرات الأمتار..ألا يمنع القانون القيادة في الاتجاه المعاكس؟ و الأدهى و الأمر أنه يقود في طريق سيارة عند مدخل تونس سيتي "جيان". و لكن اتضح فيما بعد أن صديقنا المواطن ليس إلا عون أمن يعمل بمركز الحرس الوطني عند مدخل جيان و كتفه مرصعة بالنجوم. و لكن هذا لا يمنع أن القانون ينطبق عليه و هذا لا يمنع أنه مخالف للقانون. فالنجوم تلك لا تحميه إلا في تونس و لو كان في أوروبا أو الولايات المتحدة أو حتى عدو البعض فيكم إسرائيل، فإن تلك النجوم قد تتسبب له في مشاكل و واجبات أهم من الحقوق. القانون يعلى و لا يعلى عليه، هذا ما نعرفه و هذا ما قاله رئيس الدولة في مناسبات عدة لكن الواقع مغاير تماما و ذلك بسبب أفراد يستغلون مناصبهم. تعرفت مؤخرا لمواطن تونسي حكمت محكمة التعقيب لصالحه و لكن لأن خصمه عون أمن فإن مركز الشرطة عمل على عدم تنفيذ الحكم بكل السبل لأن الخصم "زميل" و الرجل الآن سيتوجه من جديد لوكيل الجمهورية حتى يضمن حقه. أعود إلى الطريق. الطريق سريعة في صفين لكن بعض السائقين لم يعجبهم ذلك فاغتنموا الفرصة و سرعانما فتحوا طريقا ثالثا. لا تسألوني كيف. فأنا نفسي لا أعرف. قد تكون واقفا في إدارة ما أو تلتحق بإدارة ما أو بنك أو مكتب بريد. و إذا كنت منظما مثلي و تتبع القوانين فلن تفهم شيئا عن التنظيم لأنك ستجد صفا ثالثا و لن تفهم أي صف تريد لأن الوقوف في مكان خطأ أنت اعتقدت أنه صحيح و بعد الوقوف لفترة طويلة قد يوصلك ذلك الصف إلى الشباك أو المكتب الخطأ.
في أحد المرت أوقفني أحدهم لسبب مجهول . أعتقد أنه اختارني عشوائيا لأنني احترمت الاشارة (ترك الأولوية التي تتحول عند بعض التونسيين إلى قف و قف إلى ترك الأولوية) و عندما أوقفت السيارة بعده بقليل، طلب أوراقي الثبوتية و أوراق السيارة و أخبرني أن أحد الأضواء الخلفية غير مضاء. أجبته أنه من الصعب علي أن أنتبه لذلك طالما لم يخبرني أحد و سألته ما الحل؟ أجاب "خطية مالية قدرها 5 دنانير"، طبعا كنت أنا على علم بأن القانون يحدد الخطية بـ 10 دنانير و بما أنني رجل قانون قلت له "إذا لا مفر. أكتب الخطية على الدفتر". طبعا هو أصبح في موقف محرج لأن الخطية هي 10 و ليس 5. عندها فتح مع الحديث فأخبرته أنني أدرس عندها و اتضح أنه كان قبيل التحاقه بالجهاز كان طالبا في نفس الكلية. هكذا وجد كلانا طريقا ثالثا لحفظ ماء الوجه. و الأمثلة عديدة و متكررة و لكن ما يؤلمني أكثر هم استغلال النفوذ من أجل الإثراء..و هذا مخالف للقانون و يعرض صاحبه للمسائلة و لكن هيهات فنحن لسنا في أوروبا أو الولايات المتحدة أو إسرائيل. لكن الشاذ يحفظ و لا يقاس عليه لأنه هناك العديد من المسؤولين التونسيين الذي يضعون صوب أعينهم القوانين و حفظها و احترام المواطنين كما أن طريقة تعامل بعض المواطنين الفضة مع عدد من المسؤولين تكون دون المستوى و هم أمر أراه معيب لأن الاحترام أمر لا بد منه. فذلك العون هو الساهر على حمايتنا طيلة نهار اليوم ببرده و حرارته. الطريق أمامنا طويلة و المسؤولية مشتركة و من بلغ مأربه من الغنى فالليكفيه ذلك و أنا ضامن له أنه سيكون بعيدا عن المسائلة القضائية من اين لك ذلك شرط أن يترك الشعب و رجال الاعمال الآخرين يعيشون و يقتاتون.