لقد قررت كتابة هذا المقال عقب حديث جمعني و بعض الأصدقاء. كثيرا ما تكون أحاديثنا عن السياسة فعدد كبير منا منخرط في الحياة السياسية و جميعنا لا ننتمني لنفس الأحزاب أو التوجهات الإيديولوجية و الخلفيات الثقافية و أن كان هذا يجعلنا نصطدم ببعضنا البعض في بعض الأحيان إلا أن صداقتنا و احترامنا لبعضنا البعض جعلنا نتغلب على اختلافاتنا و مشاكلنا. و لكن بقيت العديد من الملفات عالقة. عددمن أصدقائي يؤمنون بالقومية العربية في حين أنني لا أؤمن بها و لكنني أؤمن بنسبة معينة من التوحد في الآراء و التكامل الاقتصادي و التعاون في مجالات الثقافة و التنمية و الأمن و تعزيز التبادل التجاري و فتح الحدود فيما بين الدول العربية و لكن لا للقومية العربية ذلك أن العالم العربي فيه أقليات عرقية إفريقية و هندية و كردية و أرمنية و بربرية دون نسيان العرقيات الدينية اليهودية و المسيحية ، بالتالي يصبح من غير الحق التحدث عن قومية عربية ، مع كل ما يحمله مصطلح القومية من عنصرية و إلغاء لبقية القوميات و هذا ضد حقوق الانسان و الشعوب و الديمقراطية. أما فيما يتعلق بالملف العراقي، فالجميع سعداء بالمستنقع العراقي الذي وقعت فيه قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة و أنا هنا أخالفهم الرأي لأنه كان أجدر بالعراقيين اغتنام الفرصة و بناء دولتهم الحديثة التي دمرتها الحروب و الحصار بعد سياسة عقيمة للرئيس السابق صدام حسين الذي يرى فيه البعض بطلا قوميا عربيا في حين أراه طاغية حققه مجده عن طريق الاغتيالات و استطاع أن يبقي على نظامه لفترة بسبب خوضه لحروب عدة حتى لا يثور شعبه ضده فبحسب رأيي هو و عدد آخر من الطغاة لا يعيشون إلا بالدم و الاغتيالات و الحروب و إلا قضي على حكمهم و أن كنت أؤمن أن الاعدام في حقه أمر شرعي فإنني أضم صوتي لأصدقائي في نقطة واحدة هي توقيت الاعدام الذي كان سيئا و كنت قد أبلغت هذا الرأي للسيد ليث كبة المتحدث الرسمي السابق باسم الحكومة العراقية. لقد كان حريا بالعرب عدم التحدث عن العرق أو الدين أو التقسيم الطائفي، فكلنا نعلم ما حدث في الأندلس عندما انقسمت إلى ما يسمى بملوك الطوائف فخسرنا إسبانيا و اليوم هناك عدة دول عربية تقوم على أساس طائفي و عرقي و قبلى على غرار لبنان و العراق و سوريا و الأردن و دول الخليج و مصر و الجزائر و المغرب و موريطانيا هي إما بؤر توتر بحكم الواقع أو هي بؤر توتر مستقبلية و إن كان البعض من أصدقائي يقول أن تونس لا تعد أفضل حال حيث هناك حساسية جهوية و لكنني دائما أقلل من ذلك الأمر لأنها لا تعدو مجرد مناوشات بين الأصدقاء في الجامعة و هو أمر لم و لن يصل إلى حد الحروب الأهلية أو الاقتتال. كما أن أكثر ما يؤلمني هو عندما يقوم البعض من أصدقائي من تقليل شأن بلادهم تونس و التهكم على الأشخاص من أجل ضحك سخيف. ففي ‘حدى المرات أخبرنا صديق على هامش اجتماع وزراء الداخلية العرب بتونس مؤخرا، و الله أعلم، أن البرلمان السوداني رفض المصادقة على اتفاقية أمنية مشتركة بين تونس و السودان بدعوة أنها اتفاقية تقمع الشعوب. عند سماع هذا الخبر وجد فيه "النبارة" متعتهم و لكنني صرخت في وجوههم لأن الجميع يعلم أن السودان ليس ببلد ديمقراطي و أنه يقمع الحريات و لعل ملف دارفور أشهرهم و لكن ما خفي كان أعظم. و ها هو الملف الفلسطيني يلقي بظلاله علينا. ففي الوقت الذي من المفروض أن تتوجه فيه الجهود من أجل دفع العملية السلمية و خدمة القضية العربية و الاسلامية الأولى، نرى الفلسطينيين يقتتلون فيما بينهم و هذا ليس بجديد في منطقة تتقاطع فيها المصالح و هو دليل على تخلف العرب و ضيق رؤيتهم للواقع و المستقبل منذ 1948. الجميع ندم على عدم قبول قرار التقسيم و الجميع ترحموا على الزعيم بورقيبة بعد أن رأى فيه البعض أنه بيوع. أنا أؤمن بالسلام و التسامح و التفاوض مع الآخر و ترك الباب مفتوحا من أجل أي وجهة نظر أو رأي و لا أرفض التعامل مع أي شخص مها كان و لا أهتم بالدين أو العرق أو اللون بل أهتم للجنس الانساني. سأظل مؤمنا أن أحداث 11 من سبتمبر 2001 هي عمل إرهابي من الدرجة الأولى و أن العرب دائما ما يفوتون الفرص من أجل إحلال السلام و بناء علاقات ممتازة مع الغرب و أن العرب تنقصهم الرؤية الاستراتيجية و البعد الاستشرافي للمستقبل كما أنني أؤمن بالسلام و أرغب في الاستمتاع يوما بشمس و شاطئ تل أبيب . قيمي التي تربيت عليها و أخلاقي و تاريخ عائلتي كل تلك الأمور تجعلني غير قادر إلا أن أكون كذلك و ذلك ليس ضعفا. مازلت أذكر كيف رمقني عدد من المتطوعين خلال قمة المعلومات بتونس في نوفمبر 2005 عندما استقبلت الوفد الاسرائيلي و عندما رافقت عددا منهم. ليس لدي أي مشكل و عندما هاجمني البعض أخبرتهم حقيقتي و الله أعلم. فأنا مهتم كثيرا بتاريخ عائلتي و حسب الأبحاث التي قمت بها و المراجع التي قرأتها و حسب بعض القصص المتداولة ف‘ن عائلة أمي هي في الأصل عائلة يهودية استقرت بالجنوب التونسي حيث كانت هناك جالية يهودية كبيرة و كان جدهم يملك مدرسة لتعليم تعاليم كتاب التلمود المهم لليهود. أما عائلة والدي فهي عائلة ذات جذور مسيحية. قدمت من شمال لبنان إثر مشاكل طائفية هناك (كالعادة) و إثر مشاكل مع العثمانيين فاستقروا في طرابلس الغرب بليبيا في محطة أولى ثم استقروا بالجنوب التونسي حيث كانوا يسيرون أملاك البايات إلا أن مشاكل مع البربر جعلت قسما منهم يستقر بشمال تونس و قسم آخر بالمغرب. اليوم نحن عائلة تونسية مسلمة و لكن هذا التاريخ و التشابك لا يمكنه إلا أن يولد التسامح و محبة الآخر و التعاون و عدم الرفض دون أن نبيع قضايانا أو نتخلى عن مبادئنا