تحتفل تونس الثلاثاء 20 مارس/اذار بالعيد الواحد والخمسين للاستقلال لتدخل في نصف القرن الثاني من تاريخها كبلد مستقل ومتطلعة الى طور جديد من التحديات والانجازات التنموية والاجتماعية والسياسية.
وقد شهدت تونس تطورا ملحوظا ونقلات نوعية خلال نصف القرن الماضي قادتها من بلد فقير قليل الموارد الى دولة حديثة تقف في الصف الأول من مصاف الدول النامية.
وقد احتل هاجس الاصلاح والتحديث الاجتماعي والاقتصادي والسياسي فكر مؤسسي الدولة التونسية الحديثة بدءا من الرئيس الراحل الحيب بورقيبة وصولا الى الرئيس زين العابدين بن علي الذي حققت تونس في عهده نموا كبيرا لم تشهد له مثيلا من قبل. ولعل المفردات الكبرى التي وسمت تجربة تونس منذ الاستقلال في 20 مارس/اذار 1956 إصدار "مجلة الأحوال الشخصية" في 13 اغسطس/اب من نفس السنة كنص مرجعي وكوثيقة رمز استبطنت تطلع النخبة السياسية والمثقفة التي تولت الحكم غداة الاستقلال إلى بناء جديد يحلق فيه المجتمع بجناحيه وتتحقق فيه فضائل المساواة والتوازن والشراكة.
كما تميزت تلك الفترة بحدث فارق تمثل في إعلان النظام الجمهوري في 25 يوليو/تموز 1957 والذي كرس البعد السياسي في المشروع التحديثي التونسي، وهما حلقتان جوهريتان استكملتا في غرة يونيو/حزيران 1959 مع إصدار دستور الجمهورية التونسية الذي كان منطلقا لعملية بناء دولة الاستقلال الحديثة وللتقدم خطوات على درب التحديث الاجتماعي عبر خيارين أساسيين هما تعميم التعليم ودعم حقوق المرأة تشريعا وممارسة.
وفي سياق هذا التطلع للاصلاح كان تغيير 1987 المنطلق لفعل إصلاحي شامل استهدف بالدرجة الأولى تثبيت مرتكزات النظام الجمهوري بما هي وعاء لمشروع التحديث الشامل السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي نهل من تجارب المجتمعات المتقدمة ومكاسب البشرية وعمل على تمثل عصارة الفكر الاجتهادي المستنير الذي اجتاح أصقاع العالم العربي الإسلامي منذ أواسط القرن التاسع عشر.
ولأن التغيير الذي قاده بن علي سنة 1987 يعد امتدادا للمشروع الإصلاحي التحديثي الذي باشرته دولة الاستقلال بقيادة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة فقد شهدت السنوات العشرون الماضية عمليات مراكمة نوعية ثبتت جملة المبادئ المرجعية للنظام الجمهوري من حيث تكريس مبدأ سيادة الشعب وعلوية القانون والاحتكام إلى المؤسسات وعملت على إثراء المنجز التشريعي التونسي بمختلف مكوناته باتجاه تأمين انخراط هذا البلد في حركة التحديث الكونية سيما لجهة بناء مجتمع ديمقراطي تعددي تزدهر فيه قيم الحوار والتسامح والاعتدال بمنأى عن محاذير الانغلاق والتطرف.
وفي هذا الباب برهنت تونس على مدى العقدين الماضيين على إرادة مصممة في التأسيس لمشروع مجتمعي تحديثي متكامل الأبعاد متناغم الأهداف يدرك التونسيون اليوم ومعهم المتابعون لتجربة هذا البلد حجم النقلات النوعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أحدثها في المشهد التونسي منجزا سياسيا وتنمويا على الصعيد الداخلي وصورة مشعة خارجيا لبلد متقدم لم يتردد الكثيرون عربا وأجانب مؤسسات إقليمية ودولية وأممية في وسم تجربته التنموية التحديثية بالفرادة والريادة.
فقد جسدت تجربة تونس التحديثية ومنجزها السياسي والاقتصادي والاجتماعي على مدى السنوات الماضية الترابط الوثيق المتين بين ثنائية "الديمقراطية والتنمية" تأكيدا لوعي النخبة المسيسة والمثقفة في هذا البلد بأن المكاسب التنموية والاقتصادية ليس لها معنى في حياة الوطن والمواطن ما لم تواكبها مكاسب مماثلة على صعيد تعصير الفضاء السياسي والمدني وتكريس الخيار الديمقراطي التعددي وتأصيل قيمة المشاركة كمبدأ وخيار ثابت لايستثى منه أي من أطراف المشهد السياسي والفكري الوطني
وقد شهدت تونس تطورا ملحوظا ونقلات نوعية خلال نصف القرن الماضي قادتها من بلد فقير قليل الموارد الى دولة حديثة تقف في الصف الأول من مصاف الدول النامية.
وقد احتل هاجس الاصلاح والتحديث الاجتماعي والاقتصادي والسياسي فكر مؤسسي الدولة التونسية الحديثة بدءا من الرئيس الراحل الحيب بورقيبة وصولا الى الرئيس زين العابدين بن علي الذي حققت تونس في عهده نموا كبيرا لم تشهد له مثيلا من قبل. ولعل المفردات الكبرى التي وسمت تجربة تونس منذ الاستقلال في 20 مارس/اذار 1956 إصدار "مجلة الأحوال الشخصية" في 13 اغسطس/اب من نفس السنة كنص مرجعي وكوثيقة رمز استبطنت تطلع النخبة السياسية والمثقفة التي تولت الحكم غداة الاستقلال إلى بناء جديد يحلق فيه المجتمع بجناحيه وتتحقق فيه فضائل المساواة والتوازن والشراكة.
كما تميزت تلك الفترة بحدث فارق تمثل في إعلان النظام الجمهوري في 25 يوليو/تموز 1957 والذي كرس البعد السياسي في المشروع التحديثي التونسي، وهما حلقتان جوهريتان استكملتا في غرة يونيو/حزيران 1959 مع إصدار دستور الجمهورية التونسية الذي كان منطلقا لعملية بناء دولة الاستقلال الحديثة وللتقدم خطوات على درب التحديث الاجتماعي عبر خيارين أساسيين هما تعميم التعليم ودعم حقوق المرأة تشريعا وممارسة.
وفي سياق هذا التطلع للاصلاح كان تغيير 1987 المنطلق لفعل إصلاحي شامل استهدف بالدرجة الأولى تثبيت مرتكزات النظام الجمهوري بما هي وعاء لمشروع التحديث الشامل السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي نهل من تجارب المجتمعات المتقدمة ومكاسب البشرية وعمل على تمثل عصارة الفكر الاجتهادي المستنير الذي اجتاح أصقاع العالم العربي الإسلامي منذ أواسط القرن التاسع عشر.
ولأن التغيير الذي قاده بن علي سنة 1987 يعد امتدادا للمشروع الإصلاحي التحديثي الذي باشرته دولة الاستقلال بقيادة الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة فقد شهدت السنوات العشرون الماضية عمليات مراكمة نوعية ثبتت جملة المبادئ المرجعية للنظام الجمهوري من حيث تكريس مبدأ سيادة الشعب وعلوية القانون والاحتكام إلى المؤسسات وعملت على إثراء المنجز التشريعي التونسي بمختلف مكوناته باتجاه تأمين انخراط هذا البلد في حركة التحديث الكونية سيما لجهة بناء مجتمع ديمقراطي تعددي تزدهر فيه قيم الحوار والتسامح والاعتدال بمنأى عن محاذير الانغلاق والتطرف.
وفي هذا الباب برهنت تونس على مدى العقدين الماضيين على إرادة مصممة في التأسيس لمشروع مجتمعي تحديثي متكامل الأبعاد متناغم الأهداف يدرك التونسيون اليوم ومعهم المتابعون لتجربة هذا البلد حجم النقلات النوعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أحدثها في المشهد التونسي منجزا سياسيا وتنمويا على الصعيد الداخلي وصورة مشعة خارجيا لبلد متقدم لم يتردد الكثيرون عربا وأجانب مؤسسات إقليمية ودولية وأممية في وسم تجربته التنموية التحديثية بالفرادة والريادة.
فقد جسدت تجربة تونس التحديثية ومنجزها السياسي والاقتصادي والاجتماعي على مدى السنوات الماضية الترابط الوثيق المتين بين ثنائية "الديمقراطية والتنمية" تأكيدا لوعي النخبة المسيسة والمثقفة في هذا البلد بأن المكاسب التنموية والاقتصادية ليس لها معنى في حياة الوطن والمواطن ما لم تواكبها مكاسب مماثلة على صعيد تعصير الفضاء السياسي والمدني وتكريس الخيار الديمقراطي التعددي وتأصيل قيمة المشاركة كمبدأ وخيار ثابت لايستثى منه أي من أطراف المشهد السياسي والفكري الوطني
.
التأسيس والمرجعية
التأسيس والمرجعية
وإن ما عزز ولا يزال مقومات ديمومة البناء الإصلاحي الديمقراطي التعددي في تونس كون هذا البناء قد استند إلى مرجعية سياسية تأسيسية رسمت الخيارات والتوجهات الكبرى وسطرت التمشي والمنهاج الواجب توخيه لتحقيق المنشود وطنيا في كل أبواب التنمية سياسة واقتصادا واجتماعا.. مرجعية أولى وكبرى تتمثل في البيان المؤسس لتغيير 7 نوفمبر 1987 الذي أكد فيه بن علي جدارة الشعب التونسي بـ"حياة سياسية متطورة ومنظمة تعتمد بحق تعددية الأحزاب السياسية والتنظيمات الشعبية" تواكب ما بلغه هذا الشعب من وعي ونضج بما "يسمح لكل أبنائه وفئاته بالمشاركة البناءة في تصريف شؤونه في ظل نظام جمهوري يولي المؤسسات مكانتها ويوفر أسباب الديمقراطية المسؤولة".
الدستور.. هو الفيصل
واعتبارا للمنزلة الجوهرية للدستور لكونه المرجع الأعلى الذي يحكم البناء السياسي والمؤسساتي التونسي فقد كانت الإصلاحات التي شهدها هذا النص المرجعي في مراحل متلاحقة عنوانا لحرص متين على إحاطة مكونات الفعل التحديثي بمقومات الديمومة والشمولية إذ بادر بن علي منذ ارتقائه إلى سدة الحكم بالتأكيد على علوية الدستور وإلزامية احترام مبادئه من قبل الجميع سلطة ومعارضة مواطنين.
وفي سياق المد الإصلاحي الذي شمل الدستور الصادر في غرة يونيو/تموز 1959 أتى تعديل سنة 1988 الذي مثل نقلة نوعية إذ وضع حدا للرئاسة مدى الحياة وللخلافة الآلية بما أعاد للنظام الجمهوري اعتباره وأوكل للشعب كلمة الفصل في اختيار من يقوده.
وضمن المسار نفسه جاءت مبادرة 17 ديسمبر 1987 بإحداث "المجلس الدستوري" لمراقبة دستورية القوانين وهي مؤسسة تم إدراجها بمقتضى تعديلات لاحقة صلب نص الدستور وتم تباعا تعزيز صلاحياتها حرصا على ضمان مطابقة التشريعات والقوانين على اختلافها لروح الدستور ونصه.
وأبرز المحطات المفاتيح في مسيرة الإصلاح السياسي في تونس التعديل الجوهري المدخل على الدستور التونسي في غرة يونيو/تموز 2002 والذي كان لأول مرة في تاريخ تونس المستقلة محل استفتاء شعبي انتظم يوم 26 مايو/ايار من نفس السنة.
وقد شكل ذاك الإصلاح الذي طال زهاء نصف بنود الدستور محطة مفصلية في مسار تعميق التجربة الديمقراطية التعددية في تونس سيما من خلال تنصيص فصله 40 المعدل على مبدأ تعددية الترشحات لرئاسة الجمهورية.
وقد تعزز هذا الإصلاح الذي شمل بالتوسيع والتيسير مقتضيات وشروط الترشح للمنصب الأعلى للدولة بتعديل آخر لا يقل أهمية كرس الإرادة في إثراء الوظيفة التشريعية وتوسيع مجالات وفرص تمثيل سائر القوى السياسية والشعبية من خلال إقرار بعث غرفة برلمانية ثانية هي "مجلس المستشارين" الذي شرع في عمله في صيف 2005.
وفضلا عن هذا البعد المتصل بالانتخابات الرئاسية وبدعم العمل البرلماني والذي ينطوي قطعا على مدلولات سياسية عميقة تنبئ عن النسق التصاعدي لنضج التجربة الديمقراطية التعددية في تونس فقد جاء الإصلاح الدستوري الجوهري لسنة 2002 مكرسا لمبدأ شمولية حقوق الإنسان وتكامل أبعادها ومرسخا لقيم التضامن والتآزر والتسامح.
واعتبارا لمكانتها كأحد ثوابت المشروع التحديثي لدولة الاستقلال وكواحدة من مرتكزات الوفاق الوطني كانت "مجلة الأحوال الشخصية" مجلة المرأة والأسرة مدار إثراء نوعي لمضامينها من خلال التعديلات الهامة التي طالتها وأبرزها التنقيحات المعلنة في اغسطس/اب 1993 وذلك باتجاه تعزيز حقوق المرأة التونسية ومكاسبها ودعم مكانتها في الأسرة والمجتمع والارتقاء بها من مرتبة المساواة إلى منزلة الشراكة التامة سيما وأن المرأة أضحت تتمتع بفضل مكاسبها التعليمية والمعرفية بحضور فاعل بارز في الحياة النشيطة وصلب فضاءات النشاط العام.
وفاق وتعدد
شكلت وثيقة "الميثاق الوطني" التي صادقت عليها سائر الأحزاب السياسية التونسية ومختلف المنظمات الوطنية والمهنية سنة 1989 علامة بارزة في مسيرة التأسيس لبناء وطني يستند إلى منطق الوفاق والإجماع حول الثوابت الجوهرية للنظام الجمهوري ومكاسب دولة الاستقلال ويتوخى أسلوب الحوار والمشاركة في رسم معالم المستقبل الوطني بمختلف مناحيه.
وضمن المسار نفسه تعد المبادرة في 3 مايو/ايار 1988 أي بعد ستة أشهر من التحول بإصدار قانون جديد للأحزاب السياسية إحدى الحلقات الهامة ضمن عملية البناء الديمقراطي في تونس ذلك أن هذا التشريع المستحدث قد أتاح توضيح وضبط دور الأحزاب في التأطير وفي تنظيم مساهمة المواطن في الحياة السياسية وذلك في إطار التحلي بمفردات السلوك المدني وفي نطاق شرعية القانون والدفاع عن الثوابت الأساسية لدولة الاستقلال ودولة التغيير وهي الهوية الوطنية وحقوق الإنسان وقيم النظام الجمهوري وحماية مكاسب الشعب ومصالحه ونبذ العنف والتطرف والعنصرية.
وقد أتاح قانون الأحزاب لسنة 1988 ومناخ الانفراج السياسي والاستقرار الذي عاشته تونس على مدى العقدين الماضين من فتح مجالات الفعل والتحرك واسعة أمام الأحزاب السياسية التي يبلغ عددها حاليا 9 أحزاب 6 منها تأسست بعد تغيير 7 نوفمبر 1987 وآخرها "حزب الحضر للتقدم" الذي أعلن عن قيامه صائفة 2006.
وتحظى 5 أحزاب من المعارضة حاليا بالتمثيل صلب البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين) وضمن مجالس الولايات (المحافظات) والمجالس البلدية.
ومن منطلق رؤية وطنية تنأى عن منطق الإقصاء تلاحقت قرارات أعلى هرم السلطة في تونس من أجل توفير السند الضروري لمجمل مكونات المشهد الحزبي حزبا حاكما ومعارضات.
وفي هذا الإطار بالذات كان قرار الرئيس بن علي في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2005 بمزيد دعم الأحزاب السياسية ماديا حتى تتوفر لها قدرات أفضل للعمل والنشاط وذلك من خلال الترفيع في مناسبتين في منحة الدولة المخصصة للأحزاب السياسية لتصل إلى 135 ألف دينار سنويا.
ولأن الانتخابات تعد أسمى ممارسة ديمقراطية فقد أقر الرئيس التونسي تعديل التشريع المنظم لهذه العملية أي "المجلة الانتخابية" في عدة مناسبات بهدف توفير الضمانات اللازمة للناخبين ودعم شفافية ونزاهة العملية الانتخابية في مختلف مراحلها.
وأبرز هذه التنقيحات تعديل 4 أغسطس/اب 2004 التي أقر نظام انتخاب رئيس الجمهورية في دورتين وتوسيع صلاحيات المجلس الدستوري لتشمل مراقبة العملية الانتخابية فضلا عن تركيز مرصد وطني توكل إليه مهمة متابعة مختلف مراحل العملية الانتخابية.
تكريس حقوق الإنسان
وبالتوازي مع التشريعات ذات البعد السياسي والانتخابي كان لرصيد التشريعات الضامنة للحريات ولحقوق الإنسان قدر كبير من اهتمام القيادة التونسية التي تميزت قراءتها لهذا المجال برؤية شمولية لا مجال في نطاقها للمفاضلة بين الحقوق السياسية والمدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفرد والحقوق الخصوصية لبعض الشرائح التي تستوجب العناية والدعم على غرار شريحة الطفولة التي تعد تونس من البلدان القليلة التي أفردتها بمجلة خاصة لحماية حقوقها.
وفضلا عن مصادقتها على مجمل الاتفاقات والعهود الدولية ذات الصلة وإرسائها لمؤسسات موجهة قصرا لمتابعة تجسيم التشريعات الوطنية في المجال على غرار "الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية" التي أنشئت في 8 يناير/كانون الثاني 1991 وتم دعم صلاحياتها ومشمولاتها في محطات لاحقة تتالت الإجراءات والتشريعات الداعمة لمنظومة حقوق الإنسان في نسق تصاعدي منذ تغيير 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 لتبلغ أكثر من 400 إجراء تكرس حقوق الإنسان ثقافة وممارسة في شمولية مجالاتها وكونية قيمها.
وتم في نطاق التمشي ذاته تطوير الجانب القضائي لحماية الحريات وحقوق الإنسان إذ ألغيت عقوبتا الأشغال الشاقة والسجن المضيق منذ سنة 1989 وذلك في إطار ارتكاز القانون الجزائي على مبدأ التدابير العقابية ذات الصبغة الإنسانية والإصلاحية التي تؤهل من زلت بهم القدم للاندماج مجددا في المجتمع.
كما انضمت تونس إلى اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمناهضة التعذيب سنة 1988 وعدلت النظام القانوني للاحتفاظ والإيقاف التحفظي ضمن مجلة الإجراءات الجزائية في ثلاث مناسبات (1987 و 1993 و 1999) قبل أن يأتي الإصلاح الجوهري للدستور سنة 2002 ليقر إخضاع الاحتفاظ للرقابة القضائية وتنفيذ الإيقاف التحفظي بإذن قضائي ولينزل هذه الإجراءات في نص الدستور.
واستكمالا لهذا التمشي تم المؤسسات العقابية وقطاع حقوق الإنسان بوزارة العدل منذ يناير/كانون الثاني 2001 تكريسا لمبدأ الولاية القضائية على تنفيذ العقوبات حماية للذات البشرية.
وقد حظي المنجز التونسي في مجال حقوق الإنسان في محطات عدة بإكبار المؤسسات والهيئات الدولية المتخصصة. ومن أبرز شواهد هذا التقدير انتخاب تونس سنة 2006 في عضوية أول تركيبة للمجلس الاممي لحقوق الإنسان وحيازتها حاليا عضوية اللجنة الأممية لحقوق الإنسان.
الاعلام.. ثقافة التعدد
ووعيا بان ترسيخ الخيار التعددي لا يتأتى بدون إرساء حرية الرأي والتفكير والتعبير تتالت المبادرات منذ تغيير 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 على المستويين التشريعي والمؤسساتي من أجل تمكين المجتمع من المقومات التي تكفل ازدهار قيم الحرية والتعددية والتسامح والتضامن.
وفي تكريس لإدراك تونس للعلاقة الجدلية بين تحرير الاعلام وتحرير الفضاء العام بشتى مكوناته حرص بن علي في خطاب خمسينية الاستقلال في مارس/اذار 2006 على التأكيد على أن "تفعيل الحوار الوطني ودعم المجتمع المدني وتطوير دور الأحزاب السياسية لا يتوفر إلا في ظل إعلام حر نزيه قادر على النقد والتقويم والمساءلة".
وقد وجدت هذه المقولة ترجمتها العملية في جملة من المبادرات التشريعية الهامة أبرزها المراجعات المتعددة التي شملت القانون المنظم للقطاع الإعلامي والاتصالي "مجلة الصحافة" بهدف تعزيز طابعه التحرري إضافة إلى المبادرات المتصلة بدعم التمويلات الممنوحة من قبل الدولة لصحف الرأي وصحف الأحزاب السياسية.
وقد تم تنقيح مجلة الصحافة في أربع مناسبات منذ التحول وذلك سنوات 1988 و 1993 و 2001 و 2005 في اتجاه دعم حرية الإعلام وإلغاء العقوبات السالبة للحرية الشخصية وجعل حرية الرأي والتعبير حقا أساسيا من حقوق الإنسان.
ومثل إعلان الرئيس التونسي يوم 27 مايو/ايار 2005 بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للثقافة عن إلغاء إجراء الإيداع القانوني والعقوبات المترتبة عنه في ما يتعلق بالصحافة محطة مضيئة تدعم المسار الرامي إلى تعزيز حرية الإعلام والتعبير والنشر في تونس.
كما تواترت الإجراءات والخطط الرامية إلى تطوير أداء مختلف مكونات الفضاء الإعلامي المكتوبة والسمعية والبصرية والارتقاء بمضامينها بما يتلاءم مع أهمية الرسالة الموكولة إليها في ترسيخ قيم الحرية والديمقراطية والتعددية وتعزيز انفتاح الفضاء السياسي والثقافي التونسي على مختلف الحساسيات وترسيخ ثقافة التفتح والتسامح والتضامن والحوار التي تحوز منزلة رفيعة في المقاربات التونسية لقضايا الداخل والخارج.
ومن هنا جاء القرار المتعلق بفتح الفضاء السمعي البصري أمام القطاع الخاص في نوفمبر 2002 انعكاسا كبير في إثراء الإعلام التعددي المتنوع الذي تعزز بفضل هذا القرار بإذاعتين حرتين على التوالي سنتي 2003 و 2004 وبقناة تلفزية خاصة سنة 2005.
المجتمع المدني.. مواطنة ومشاركة
وإدراكا من القيادة التونسية لأهمية الأدوار النبيلة للتنظيمات الشعبية والمؤسسات الأهلية في رفد مجهود التنمية وتأكيدا لإيمانها بأن تطوير وتكثيف النسيج الجمعياتي يعد رافدا للبناء الديمقراطي التعددي ودعامة حقيقية له عملت تونس على إحاطة نشاط الجمعيات بإطار تشريعي ملائم ومتطور وعلى تمكينها من فرص دعم مادي ومالي أوفى.
ويعتبر ما شهدته الساحة التونسية على مدى العقدين الماضيين من تنام لعدد الجمعيات وتنوع لميادين اختصاصها وشمولها لمجمل التراب التونسي ولسائر مجالات النشاط من قبيل نشدان التراكم المؤسس للتحولات النوعية كما أنه يأتي في نطاق المسعى لتكريس مفهوم الديمقراطية التشاركية وهو مسار ديناميكي متطور قوامه إطار سياسي وتشريعي محفز ومحيط حراك تنموي دافع وثمرة تطور معرفي وثقافي أدركه الشعب التونسي بفضل رهان تونس الاستقلال على التعليم سبيلا لارتقاء الفرد وازدهاره وعلى تحرير المرأة مدخلا لبناء أسرة منسجمة ومجتمع متوازن.
وقد أكد بن علي في خطابه يوم 20 مارس/اذار 2006 بمناسبة خمسينية الاستقلال على جسامة ونبل الرسالة الموكولة لتنظيمات المجتمع المدني في رفد الجهد الإصلاحي الوطني بأن شدد على أن "حركية المنظمات الوطنية ومختلف مكونات النسيج الجمعياتي هي مؤشر صحة للمجتمع وعامل توازن وتفاعل بين مختلف مكوناته" معربا عن اليقين بأن "للمجتمع المدني دورا أساسيا في معاضدة جهود الدولة في مختلف المجالات كما أن له دورا مهما في النقد والتصويب وتوسيع مجال المشاركة في الحياة العامة".
وفي سياق المسعى الرامي إلى دعم مكانة المجتمع المدني كأحد المفاهيم المرتبطة بالديمقراطية كمنهج وكتجربة تاريخية انتهجت الإرادة السياسية في هذا البلد العربي خلال العقدين الماضيين باب التشريع والقانون سبيلا لتنمية وتكثيف نسيج المنظمات والجمعيات عبر إدخال إصلاحات جذرية على الإطار القانوني المنظم لاحداث الجمعيات (قانون الجمعيات) سيما عبر المبادرة منذ سنة 1988 إلى إلغاء الترخيص المسبق عند تكوين جمعية وتعويضه بتصريح وهي مبادرة تنبئ عن العزم على تحرير الفضاء السياسي والاجتماعي أمام القوى الحية وسائر الحساسيات للتعبير عن ذواتها والإسهام بالتالي من مواقعها في خدمة الشأن العام بتنوع أبوابه ومجالاته.
ويتيح استقراء التطور الكمي الذي عرفه عدد الجمعيات في تونس خلال العقدين المنقضيين تبين أهمية وعمق النقلة المسجلة على هذا الصعيد والتي تنطوي فضلا عن ذلك على أبعاد نوعية جلية ذلك أن عدد الجمعيات قد تضاعف أربع مرات خلال هذا الحيز الزمني إذ ارتفع من 1976 جمعية سنة 1987 إلى أكثر من 8 آلاف جمعية سنة 2006.
المنجز والتطلعات
ان هذا الرصيد الثري الذي راكمته تونس في سياق نهجها الإصلاحي المتسم بالجرأة والريادة وأخذا بالاعتبار محدودية الثروات الطبيعية وما يحفل به تخطيطها السياسي والتنموي سيما البرنامج الانتخابي "بن علي لتونس الغد" (2004-2009) والمخطط الحادي عشر للتنمية (2007-2011) من خيارات ومشاريع يجعل الآفاق واعدة بإثراء هذا المنجز الديمقراطي والتنموي الذي رددت القيادة التونسية ومعها القوى الحية أنه يظل دوما منفتحا على مدارات أعلى وأرقى تتناسب مع درجة التقدم المجتمعي وتستجيب لتطلعات التونسيين والتونسيات الى قدر أكبر فأكبر من النماء والرفاه والوفاق.
وإن ما تضمه اليوم الساحة السياسية التونسية من تنظيمات حزبية وهياكل وتنظيمات جمعياتية فضلا عن الحضور المتنامي للمرأة والشباب في صلب مؤسسات الاستشارة والقرار وطنيا وجهويا ليقوم دليلا على الحركية الخصبة التي تطبع المجتمع التونسي الذي تجد مكوناته المختلفة بشتى تلويناتها فضاءات متعددة لإبلاغ آرائها ومواقفها والمساهمة الفعلية في صياغة القرار السياسي والتنموي في كنف إلتزام الجميع بالثوابت الوطنية والولاء لتونس.. تونس وريثة قرطاج والقيروان وأرض جامع الزيتونة المعمور
SOURCE: middle-east-online.com.