mercredi, juin 03, 2009

الدستور التونسي...نجيب الشابي ... مي الجريبي و الانتخابات المقبلة


احتفلت بلادنا منذ يومين بخمسينية إصدار الدستور التونسي. 50 سنة استطاع الدستور التونسي أن يصمد فيها بالرغم من الشوائب الكثيرة التي نالت من قدسيّته و علويّته إلا أنه استطاع الثبات في وقت دعى فيه عدد من التونسيين إلى وضع دستور جديد للجمهورية التونسية يرسم معالم الجمهورية الثانية و هو مطلب تمّ تجاهله لأن الجدوى منه منعدمة

و لعلّ السبب الكامن وراء اختياري لهذا الموضوع، ليس فقط مدى أهمية الدساتير في كل دول العالم، بما أنها الضامن الأول لحقوق الشعوب و نظرا لعلويتها على كل المعاهدات و القوانين بأنواعها و مختلف النصوص القانونية و الترتيبية، و لكن أيضا نظرا لأهميتها في رسم صورة عن الواقع السياسي في البلدان و تنظيم سير العملية الانتخابية و بالتالي ممارسة الشعب للسلطة من خلال اختياره لرؤسائه و قاداته و نوّابه

لقد تسائل البعض عن مفهوم جمهورية الغد التي يردّدها الرئيس بن علي. فصوّرها البعض على أنها دعوة لجمهورية ثانية مثلما طالب بذلك عدد من الساسة و الحقوقون بعد إعلان 7 نوفمبر 1987 و توقيع الميثاق الوطني في 1988. في حين صوّرها البعض الآخر على أنها التفاف حول الدستور و تكريس للرئاسة مدى الحياة التي كان النواب قد منحوها علانية للمجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة في العام 1975

و لكنّ ما خفي على البعض هو أنه عليهم قراءة الدستور التونسي خاصة بعد تنقيح 2002 في علاقة مع تطوّر النهج الديمقراطي في البلاد. إن الديمقراطية هي ممارسة. و الممارسة لا يمكن لها أن تتطوّر و تتخلّص نت شوائبها إلا بمرور فترة من الزمن قد تطول كما لها أن تقصر و ذلك حسب خصوصيات الشعوب و المناطق

فعندما ننظر للدستور التونسي بعد 2002، نلاحظ أنه ارتقى بعدد من المفاهيم إلى المستوى الدستوري و منها التضامن و التسامح. و هما قيمتان انسانيّتان لا يمكن لأحد أن ينكر أهميتهما في تاريخ و تقاليد تونس و حتى من منظور ديني

شخصيّا أنا على قناعة، أن المواطن التونسي و الشاب الذي يقاربني في العمر، يحق له العيش مثلما أعيش و يحق له أن ينعم بخيرات هذا الوطن قيسكن بمنزل لائق و يصبح قادر على التوجه إلى المدرسة و المعهد بفضل الطرق المعبّدة و يحق له أن يعرف معنى الانترنات و الاعلامية و الحاسوب و ان يرتبط بشبكة الكهرباء و الماء يحيث يتمتع بإنسانيته و كرامته في وطنه. و التضامن قيمة دينية أعتقد أنها تتلخّص بصورة جليّة في مفهوم الصدقة و في مفهوم الاهتمام بالجار و غيرها من الأمور التي قد تكون بسيطة في مفرداتها و لكن غنيّة في معانيها و باطنها

و التسامح هو من سيمات هذا الوطن. فتونس التي عرفت مرور العديد من الحضارات و الثقافات أهّلها لتكون دولة متسامحة و لكن غير خانعة أو خاضعة. فالتسامح يعني أن لا نحكم على الآخر من خلال عرقه أو دينه أو جنسه أو لغته أو لون بشرته بل نتهم في تعاملنا مع الطرف الآخر كلإنسان يحقّ له ما يحق لنا و يجب عليه ما يجب علينا. و التسامح أيضا هو من القيم الدينية و الكونية التي علينا الحفاظ عليها في زمن و عالم أضحى من الصعب فيه أن نحافظ على التوازن بين الأمم و أن نضمن الوسطية و الاعتدال بحيث أضحى التطرف و الارهاب بحيث تسرع تلك الفئة الضالة إلى التستر بالدين مستغّلة آيات من القرآن الحكيم أو أحاديث نبويّة شريفة نزلت و قيلت في ظروف خاصة راسمة العلاقة بين المسلمين و من يخالف عقيدتهم و يتركون جانبا بقية الآيات و الأحاديث التي تقدّم الدليل على تسامح الدين الاسلامي و شموليته

كما أنه من بين أهم ما تمّ الارتقاء به إلى مرتبة الدستورية هو التعددية. فالتعددية السياسية لم تعد مثلما كانت في السابق منيّة تمنّ بها السلطة على مواطنيها عندما تشاء و تلغيها متى تشاء. بل أصبحت التعددية حقّا دستوريا لا يمكن لأي نصّ قانوني أن يخالفها أو يمنعها

و من بين تلك الاصلاحات أيضا إقرار غرفة تشريعية ثانية. ففي الوقت الذي تقوم فيه دول عدّة بإلغاء الغرفة الثانية اتخذت تونس مسارا مغايرا بتركيز غرفة ثانية. و لكن ذلك لم يتم لمجرّد اعتباطي أو غير مدروس بل جاء على قناعة بحيث تسمح الغرفة الثانية بفسح المجال أكثر أمام المشاركة في الحكم و ذلك بتوسيع قاعدة المشاركة لتسمح بدخول ممثلي المنظمات المهنية من أعراف و فلاحين و أجراء و أعضاء الجماعات المحلية المنتخبين إلى الدائرة التشريعية بما يكفل مشاركة واسعة خاصة و أن تواجدهم قد يساعد السلطة التشريعية أكثر في مهمتها بما أن عددا كبيرا من المستشارين هم من اصحاب اختصاصات و أعمال مختلفة تسمح لهم بتقديم اقتراحات أو تغييرات أو تنقيحات حسب القطاعات
أما عن الجزء الذي يعيّنه الرئيس فهو يشمل الكفاءات الوطنية و هم شخصيات وطنية قد يكونون من الموالاة أو المعارضة أو المستقلين و هم شخصيات ابتعدت نوعا ما عن القواعد بحكم عملها بحيث أنه قد يكون من الصعب عليها خوض الانتخابات و الفوز فيها و بالتالي جاء التعيين حتى يمكن للمجموعة الوطنية من أن تنتفع من خبراتها

كما أصبح الدستور يضمن للنوّاب حق توجيه أسئلة لأعضاء الحكومة على غرار تقنية "سؤال الساعة" في بريطانيا الأمر الذي قد يتطوّر إلى مسائلة الحكومة يوما ما

و أما تعدّ الترشحات لرئاسة الجمهورية، تم إقرار الدورة الثانية للانتخابات و ذلك في صورة ما إذا لم بنل أي من المترشحين لنسبة 50% + صوت من أصوات الناخبين، عندها يتم اللجوء إلى دورة ثانية يشارك فيها المترشحان الذين تحصّلا على أعلى نسبة في الدورة الأولى مثلما معمول به في دول على غرار فرنسا

و لكن يخطئ من يعتقد أن بعض هذه البنود سيتمّ تطبيقها مباشرة بعد إصدارها في 2002. فنحن لن نشهد دورة ثانية للانتخابات و ربما لفترة طويلة. و الحكومة لن تتعرّض لمسائلة قد تتسبب في حجب الثقة عنها أقلّه الآن و مجلس المستشارين قد تطول مدّته حتى يتحوّل بالفعل إلى مجلس له كلمته الفصل مثل مجلس الشيوخ في عدد من الدول و كــــــل هذا ليس بداعي إفراغ الدستور من محتواه مثلما يفعل الظلاميون و ذوي النظر القصير، و إنما كون الديمقراطية هي ممارسة و الممارسة تتطلب التمريس و المراس و التجربة و التعوّد. و بالتالي فإن الشعب التونسي اليوم هو في فترة يتمّرس فيها على العمل الديمقراطي بحيث أنه أمام الوان سياسية مختلفة و متعدّدة يضمنها الدستور قبل القانون بحيث أن كل شخص حر في اختياره و انتمائه للمجموعة التي يرى صالحه فيها

و ما قيل لا يعني أن الشعب التونسي غير قادر على ممارسة ذلك الحق و لكن الممارسة تتطلب أيضا التمرّن و التمرين و قراءة البرامج بصفة أفقية و عمودية حتى يتسنى للمرء أن يختار بكل وضوح البرامج الهادفة و الصحيحة و تلك التي تخدم مصالح العامة لا تلك ذات النظرة الضيقة أو المكفّرة أو العدائية

و من هنا أمرّ إلى السيد نجيب الشابي و مي الجريبي حتى أبيّن أشياء للشعب التونسي الكريم

إن الدستور التونسي يضمن لكل مواطن تونسي مولود لأب و لأم مولودان بدورهما لأب و ام تونسيان و كلّهم تونسيون بدون انقطاع و هو مسلم، و يبلغ 40 سنة على أقل تقدير و 75 سنة على أقصى تقدير يوم تقديمه لترشحه، يحق له أن يترشح للانتخابات الرئاسية. كما يجب أن يكون المترشح متمتعا بكامل حقوقه السياسية و المدنية

و تضيف المجلة الانتخابية أيضا شروطا أخرى أهمها أنه على المترشح لرئاسة الجمهورية أن يتحصّل على دعم 30 عضوا من اعضاء مجلس النواب و رؤساء البلديات و هذا الأمر معمول به في الكثير من دول العالم حتى الدول المتقدمة و الديمقراطية بل حتى أن عددا من الدساتير و القوانين الانتخابية قد تطلب توقيع المئات إن لم نقل الآلاف

بالتالي، هذه الشروط الدستورية و القانونية هي شروط لاتزال سارية المفعول بحيث أن تنقيح الدستور الذي وقع في 99 و 2004 و حتى بالنسبة للانتخابات القادمة لم يلغي لا النصّ الأصلي للدستور و لا النص القانوني للمجلة الانتخابية بل جـاء ليدّعم الترشحات. فالتنقيح هو يالأساس استثناء أو كما يعتبره البعض أحكاما انتقالية

فتنقيح 1999 نصّ على انّه "في صورة عدم توفّر شرط تقديم المترشح المنصوص عليه بالفقرة الثالثة من الفصل 40 من الدستور، يمكن بصفة استثنائية بالنسبة للانتخابات الرئاسية لسنة 1999، أن يترشح لرئاسة الجمهورية المسؤول الأول عن كل حزب سياسي سواء كان رئيسا أو أمينا عاما لحزبه، شريطة أن يكون يوم تقديم ترشّحه مباشرا لتلك المسؤولية و منذ مدّة لا تقلّ عن خمس سنوات متتالية و أن يكون للحزب بمجلس النواب نائب فأكثر ينتمون إليه....." ثم و في 2004 تكمّ الاستغناء عن شرط النائب فأصبح يمكن لكل رئيس أو أمين عام حزب متتحملا لتلك المسؤولية منذ خمسة سنوات متتالية أن يترشح

و الآن، و قبيل انتخابا أكتوبر 2009، فإن تنقيح الدستور أصبح يضمن لكل رئيس حزب أو امين عام حزب، متحمّل لتلك المسؤولية منذ 2 سنة (سنتين) متتاليتين على الأقل ، ان يترشح لرئاسة الجمهورية. أي أن التنقيح الجديد قد وسّع من إمكانية ترشح الرؤساء والأمناء العامون للأحزاب السياسية في تونس و المتحملين لتلك المسؤوالية منذ سنتين على الأقل أن يقدموا ترشحهم إلى الانتخابات الرئاسية

بالتالي، الفكرة الأساسية التي على التونسيين التيّقن منها هو أن الشروط الأولية و الأساسية التي وحددها الدستور و المجلّة الانتخابية لم يقع المسّ منها أو تنقيحها أو تعليقها بل إن تنقيحات 1999 و 2004 و 2009 جاءت لتضمن لمن لا يمكنه الحص ول على توقيع و تضمين 30 عضوا من أعضاء مجلس النواب و رؤساء البلديات، يقدّم ترشحه حسب الشروط المذكورة آنفا

و هذا الأمر يعكس إذن المغالطات التي يعمل السيد نجيب الشابي على تسويقها و هي أن تنقيح الدستور جاء ليمنعه من الترشخح لرئاسة الجمهورية في حين أن النص الأصلي لم يقع المساس به بل يكفي السيد نجيب الشابي أن يحصل على توقيع 30 عضو مجلس نواب و رئيس بلدية أن يقدّم ملف ترشحه للانتخابات علما و ان عدد نوّاب المعارضة في مجلس النواب الحالي 37 عضو أي أن عددهم يتجاوز الثلاثين المطلوبة قانونيا

أما عن السيدة مي الجريبي، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي و القادرة حسب القانون الدستوري أن تقدّم ترشحها إلا أنها هي الأخرى ترفض ذلك بتعلّة أن الحزب لديه مرشح واحد ووحيد و هو السيد نجيب الشابي، إلا أنها في الواقع لا يمكنها تقديم ترشحها و ذلك لمانع دستوري بسيط و هو أن والدتها جزائرية في حين أن الدستور ينص على أنه لا يترشح لرئاسة الجمهورية إلا من كان مولودا لأب و أم و جد لأب و أم تونسيين و كلّهم تونسيون بدون انقطاع