vendredi, juillet 31, 2009

رسالتي إلى قاسم: يا ناطح الجبل العالي ليكلّمه ***أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل

لأوّل مرّة أشفق فيها عليك. و لأوّل مرّة أعي ما ردّده علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه عن الجهل

فالجاهل مطيّة للفتن وناراً لإيقادها ، ولولا الجاهل لما انتشرت الفتن واتسعت، ولما كبرت واغتذت، ولما اختلف الناس فى المعضلات..


سأل أعرابي الخليل بن احمد : ما أنواع الرجال ؟ فقال الخليل: الرجال أربعة رجل يدري ويدري انه يدري فسلوه ورجل يدري ولا يدر انه يدري فذاك ناس فذكّروه ورجل لا يدري ويدري انه لا يدري فذلك يسترشد فعلّموه ورجل لا يدري ولا يدري انه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه و في رواية أخرى "و ذلك قاسم فارفضوه" و الله أعلم

و لكن على كل الشيء من مأتاه لا يستغرب. فالحقيقة دائما تؤلم من تعوّد على الأوهام. و للأسف أن عددا كبيرا من التونسيين أصبح يؤرقهم رؤية نجاحات تونس و ما تحققه من إنجازات يوميا في ظل عالم متقّلب و متعدّد الأزمات

و لئن كانت الحياة أقصر من ان نقضيها في تسجيل الأخطاء التي ارتكبها غيرنا في حقنا و في تغذية روح العداء بين الناس فإن من بين أكثر الأشياء التي تؤلمني و تحزّ في نفسي هو عندما تنكر فئة من الناس ما تقوم به حكومة هذا الوطن و تنفي عنها كل إنجاز. و تسائلي هنا يا قاسم: لو أن ما تشهده تونس اليوم من تقدم و من اقتصاد متماسك رغم الهزات و غير ذلك من مؤشرات التنمية، لو لم يكن وراء ذلك قيادة حكيمة و حكومة مشهود لها بالكفاءة و الخيارات الصائبة، فكيف أكمكن لتونس أن تسجل مثل تلك الأرقام و المؤشرات و تكتسب ثقة المجتمع الأممي و المستثمرين الأجانب؟ هل بالقدرة الإلهية؟ أم بالهواء؟

لا يمكن لدولة أن تسير دون تخطيط و دون برامج واضحة و إلا عمّت الفوضى. ففي الوقت الذي استقالت فيه الدولة من مهامها كافة أو تكاد، مثلما وقع الأمر في الولايات المتحدة، تخرج المؤسسات عن الظوابط و ها نحن نعيش أزمة مالية و اقتصادية نتيجة لذلك

يا عزيزي قاسم، يا من نصّبت نفسك رئيسا للجمهورية و قائدا أعلى للقوات المسلحة، أدعوك أن تستفيق من حلمك فقيادة بلد ليس بالعمل الهيّن و مجابهة ملفات كثيرة و كبيرة و متشابكة و معقّدة مثل التشغيل و محو الأمية و الصحة و النقل و التعليم و الفلاحة و الطاقة و البيئة و البنية التحتية و القروض و فوائدها و الأمن و جهوزية القوات المسلحة و العلاقات الخارجية و المحافظة على التوازنات المالية للبلاد و التحكم في المديونية و الاهتمام بالمواطنين في الخارج و غيرها من المواضيع لتمثل ملفات و مجلدات يصعب على عقلك الصغير أن يستوعبها أو أن يعلم كم من الوقت و الجهد يمضي عليها الرئيس و فريق عمله و الوزراء و من معهم من إدارات معنية. و سأحاول أن أنظم لك جولة بالقصر و كواليسه علّك تفتح عينيك جيدا لتنظر من حولك و لتعلم أن نصف الكأس فارغ و لكن النصف الآخر ملآن أيضا

لا يمكن أن ننكر دور الشعب التونسي منذ الاستقلال في النهوض بالوطن و بنائه. فنحن و سنغافورة كنا الوحيدين تقريبا من الدول التي كانت تتجه نحو صندوق النقد الدولي و البنك العالمي ببرامج و مطالب متعلّقة بالتعليم في وقت اختارت فيه دول صديقة و شقيقة السباق نحو التسلح

نحن شعب - و حزب - عوّلنا على الثروة البشرية و نعتبرها الثروة الحقيقية لتونس و أن تقدم الوطن و مستقبله لا يمكن بنائهما إلا من خلال مشاركة كافة فئات الشعب و انخراطهم في العمل و الكد و بذل الجهد و العمل بضمير و بروح وطنية عالية

إنجازاتنا تتحدث عنا....فقط افتح عينيك...اترك فسحة لقبول رأي من يخالفك...انزع عنك عبائة الحقد و الكراهية و التسلّط و انظر من حولك...في الوقت الذي يتمتع به التونسي بالكهرباء و الماء الصالح للشراب فإن دولا أخرى مثل لبنان و دول الخليج و الجزائر يعاني سكانها من قلّة التغذية بالتيار الكهربائي و الماء يتم شرائه في صهاريج

في الوقت الذي نستعمل فيه الانترنات و الهاتف الجوال، غيرنا لم يفقه بعد الأبجدية

في الوقت الذي فيه نشق طرقا جديدة و نشيّد جسورا و نقتتح مستشفيات و نبني مؤسسات تعليمية و نرّفع من المناطق الصناعية و نخفّض من نسب الفقر و الخصاصة و نرفع من الأجور و نهتم بتعصير النقل و نؤكد على أهمية تعزيز الفلاحة تحقيقا للأمن الغذائي لتونس و شعبها أمام تفاقم الجوع في العالم حتى أن دولا مثل السعودية و الكويت استثمرت في ميدان الفلاحة و الزراعة في دول مثل السودان و مدغشقر تحقيقا لأمنها الغذائي، و اهتماما بالبيئة و المحيط و وضع برامج لتعزيز الموارد المائية و بناء السدود و البحيرات الجبلية لتجميع المياه حيث يؤكد الخبراء أن الحرب المقبلة إنما هي حرب على المياه في وقت تهدر فيه مياه دول عديدة و في وقت تضع فيه الحكومة التونسية برامج بعيدة المدى تتعلّق بـ 2030 و 2050 ضمانا لمستقبل الأجيال المقبلة و ضمانا لمستقبل البلاد و تقدمه في وقت تشهد فيه دول عديدة برامج و سياسات غير واضحة بسبب اهتمام ساستها في أمور غير مصلحة المواطن و الوطن، كيف يمكنك حبّا بالله أن تنفي أي دور للسلطة ؟

جميع التونسيين مشاركين في عملية البناء...نعم و الجميع مسؤول ...نعم و لكن كل ذلك بفضل التخطيط و الرؤى الواضحة و البعد في النظر و هذا فخر لنا و يكفيك سؤال عن واجبات وطنك تجاهك و لكن لتخبرنا عن واجباتك أنت تجاه وطنك