jeudi, août 13, 2009

عندما يسقط قناع المدونين و يتهاوى: مثال كيف غراف kiffe Grave

حقّ الرد في إطار الأخلاق و الاحترام المتبادل هو من الحقوق الأساسية للأفراد و الجماعات و هو من الحقوق التي أؤمن بها و بالرغم من الإساءات المتتالية و المختلفة التي تصلني من عدد كبير من المدونين و القرّاء، إلا أنني رفضت أن أخضع لكل تلك الاستفزازات و كل الاتهامات و كل الدعوات لترك تن-بلوغز و التوقف عن التدوين أو النزول إلى نفس المستوى المنحط. كما أنني امتعنت عن فرض أي قيود على التعاليق بالرغم من أن عددا كبيرا منها يتجاوز الأخلاق و الأعراف و التقاليد و لكنني آليت على نفسي أن أكون منفتحا و قابلا للنقد بكل أنواعه، ليس ضعفا أو محاولة للظهور على أنني إنسان متقتح و ديمقراطي و لكن لأنني أؤمن بالحرية و التعددية و الحق في التعبير و من خلال التعبير و الألفاظ المستعملة و طريقة تناول النقاش و المواضيع و الردود، سيحكم الرأي العام على ما يقال و لا أعتقد أن الرأي العام قد ينزل إلى مرتبة من يستعمل العبارات الحقيرة أو من يتحدث في عموميات دون أن يقدّم الأرقام و النسب الصحيحة. و لقد بيّنت الأحداث تلاحم عدد كبير من المدونين ضد استعمال الألفظ النابية و غير الأخلاقية و ضد الانحطاط الذي شهده فضائنا

على كل، إن ما سبق في الواقع لا علاقة له مباشرة مع "كيف غراف" لأن العلاقة بيننا هي علاقة محترمة لكنها رسالة إلى من يصطادون في الماء العكر

أما بالنسبة "لكيف غراف"، فإن ما ألومه عليه هو انعدام سعة صدره و قبول الرأي المخالف. فأن يكتب إنسان مقال ما، فله الحرية المطلقة في ذلك و في التعبير عن رأيه حول موضوع ما أو تقديم الحلول لمشكل ما و أن يفتح باب النقاش بين المدونين و أن يتبادل الجميع الأفكار و الآراء التي قد تنير السبيل. و لكن أن يقوم المدونون بنفس عمل "عمّار" فيما بينهم فهذا أمر أنا أستغربه و أدينه بشدّة

قد أحترم من يخالفني الرأي و التوجه و القناعات حتى ولو تجاوز الحدود المسموح بها، و لكنني أرفض و أدين بشدّة من ينتقد صور الحجب و المنع كافة و هو بنفسه يطبق الحجب و المنع و ينتقي التعاليق التي تتماشى و أرائه و اختيارته و يمنع نشر أو يلغي تماما أي تعليق يخالف ما كتبه و ما نشره. إنها سياسة جبانة و ضعيفة و قذرة قد تتسب في انعدام الثقة في المدون و فيما يكتبه لأن من يتابعه سيتعرّف إلى نواياه الخبيثة أو مغالطته للرأي العام

من جديد و بالنسبة لـ"كيف غراف"، فلقد كتب صديقنا مقالا (انظر هنا) نسب فيه، و سألّخص هنا، أن مدينة نيويورك سارت على خطى تونس من دون أن تحترم حقوق المؤلف العائدة إلينا و ذلك من خلال طرد الأجانب و دفع تذكرة سفر ذهاب دون عودة، ناسبا لتونس أنها تعمل على طرد مواطنيها و إراسلهم للخارج حتى تتخلّص منهم معددا أوجه ذلك مثل الهجرة الغير شرعية و هجرة الأدمغة التونسية. و كانت بعض التعاليق رغم قلّتها تصب أيضا في نفس توجه المدون و عدّد أحدهم الضرائب المفروضة على التونسيين

و عندما استعملت حقي في الرد و بعد أن نشرتعليقي لمدة وجيزة، فوجئت بصاحب المقال يلغي تعليقي من القائمة و يترك نفس التعاليق فكيف يمكن تفسير مثل هذا العمل؟

لذلك سأستعمل حق ردّي هنا.

أن ينسب شخص ما لوطنه أنه بصدد طرد و نفي مواطنيه أو إرسالهم للخارج قصد التخلّص منهم فهذا أمر جبان و حقير يدّل على حقارة من يتحّدث و يتشدّق به و من يروّج له و يجعل من الإشاعة و الكذب حقيقة و قاعدة


إن الهجرة الغير شرعية أو ما اصطلح على تسميته في تونس "بالحرقان"، هي ظاهرة لا تهم تونس فقط. صحيح ان الظاهرة موجودة و لا يمكن لأحد أن ينكرها بالرغم من كل الجهود التي تقوم بها الدولة من أجل أن تحدّ من تلك الظاهرة. ففي وقت اعتمدت فيه دول أخرى تعاني من نفس الظاهرة على غرار: المغرب، الجزائر، موريطانيا، مصر و ليبيا، على محاربة الظاهرة دون البحث عن حلول، سارعت الحكومة التونسية إلى البحث عن حلول تنظيمية للظاهرة فقامت بالتفاوض مع دول شمال المتوسط و استطاعت أن تصل إلى جملة من الاتفاقيات التي تضمن بها تنظيم الهجرة إلى أوروبا بما يضمن كرامة المواطن التونسي و توجهه للخارج في إطار قانوني منظم فلا يقع التعدي على كرامته أو إيقافه و يتجنب بذلك المحاكمات و التتبعات القانونية. و لئن لم يقضي هذا الإجراء على الظاهرة تماما إلا أنه حدّ منها و جعل منها قطاعا منظما أفضل من بقية الدول التي ظلّت مشاهدة فقط أو التي تحوّلت إلى مجرد بوليس تابع للدول الغربية

و إن من يتابع أخبار الهجرة الغير شرعية فأكيد أنه تابع و يتابع الإعلام الشبه يومي عن غرق أو القبض على مهاجرين سريين مغادرين للجزائر أو المغرب أو موريطانيا (باتجاه جزر الكناري الاسبانية خاصة) أو ليبيا أو مصر (باتجاه قبرص و اليونان) في حين أن الأخبار المتعلّقة بالحارقين من تونس قليلة جدا جدا و هذا دليل إما على نجاح الحارقين و وصولهم إلى سواحل إيطاليا سالمين (انشاءالله ديما لاباس و بخير لأنهم في النهاية توانسة و عندهم عايلات وراهم)، أو أن الظاهرة قلّت فعلا و هذا أيضا في صالح الجميع

و أن يصوّر البعض أيضا أن بقاء الأدمغة التونسية في المهجر إنما هو دليل على القطيعة فهذا أمر غير مقبول و هو أيضا يجانب الواقع. سبق و ان دعوت الإخوة و الأخوات المدونين و المدونات إلى أن يعتمدوا المعلومات الصحيحة و الأرقام و النسب و ان يتابعوا الأخبار الوطنية و ما تتخذه الدولة من إجراءات و قرارات قبل أمن أن يكتبوا أي مقال قد يجانب الواقع و يغالط الرأي العام لأننا نبقى مسؤولين على ذلك تجاه من نكتب لهم و من نشاطرهم الرأي.

إن الأدمغة التونسية المهاجرة ليست على قطيعة مع تونس. فهم يعودون سنويا كأي مواطنين بالخارج للقاء الأهل و الأصدقاء و الأحباب. و من ناحية أخرى، فإن سفارات تونس و بعثاتها الدبلوماسية بالخارج تعمل دائما على ربط الصلة بكال التونسيين الذين يرتقون أعلى المراتب العلمية و الثقافية و الاجتماعية و السياسية في بلدان المهجر حتى يحققوا الإضافة لوطنهم الذي علّمهم و ربّاهم و أرسل البعض منهم لاستكمال دراسته بالخارج. و تقوم الدولة بعقد العديد من الندوات و الاجتماعات التي تجمع الأدمغة التونسية المهاجرة كما تعمل على عقد اتفاقات يقوم البعض منهم من خلالها بتولي التدريس في الجامعات التونسية و تأطير الطلبة في شهادات الماجستير و الدكتوراه، ناهيك عن مراجعة البعض منهم من أصحاب الاختصاصات الاستراتيجية لدى قيام الدولة ببحث برنامج معيّن و تكريم البارزين منهم.

ولأن المواطنين و الإطارات التونسية بالخارج هم في قلب الوطن، تنعقد في تونس سنويا العديد من الندوات و اللقاءات التي تعنى بكل ما يهم المواطنين و الإطارات التونسية بالخارج مثل دراسة واقع الأزمة المالية عليهم أو كيفية استغلال وسائل الاتصال الحديثة و ربط الصلة بالوطن الأم تونس و دعم المجهود التنموي و الاستثماري بها و خلق لوبي تونسي بالخارج و تكوين لجنة دفاع عن المواطنين المهاجرين بالخارج ناهيك عن الدعم المتواصل الذي يلقاه المواطنون و الإطارات التونسية بالخارج لدى عودتهم لتونس أو لمن يريد الاستثمار فيها و ما تقدمه الدولة من حوافز و تشجيعات و في هذا لأكبر دليل على أنه لا قطيعة بين الأدمغة التونسية المهاجرة و وطنهم حتى أضحت التجربة التونسية محل دراسة من العديد من الدول منها المغرب و من يدعي ذلك فعليه أن يقّدم الدليل و البرهان و ما يدحض كل هذه المعلومات و الجهود

ففي الوقت الذي تعمل فيه تونس على توفير كل مقومات الحياة الكريمة لمواطنيها و بصفة خاصة طالبي الشغل بالرغم من الكمّ الهائل من التحديات و المشاكل و التوترات العالمية المنعكسة على الداخل، إلا ان تونس لم تستقل عن القيام بواجبها تجاه مواطنيها على العكس من الدول الأخرى التي استقالت من مهامها الموكولة لها و من ضمنها دول متقدمة

لدينا ملّفات ساخنة و تحديات كبيرة و كثيرة، و لكننا نعمل على حلّها وفق خصوصياتنا و بما يضمن لمواطيننا العيش الكريم و المتوازن.

و من بين من علّق على مقال "كيف غراف"، الأخ "تيميرار" و الذي تحدّث، بتهكم واضح، أنه "يمكننا" أن نصدّر لهم أيضا طريقة حكمنا و إثقال كاهل المواطنين بالضرائب كالضريبة على بطاقات شحن الهواتف و دفع التسبقة على التصدير و طابع السفر و القائمة طويلة. للأسف يا تيميرير فأنت غير فقيه بالمرة بمجريات الأمور في تونس و بالقوانين المتعلقة بالضرائب. و مرّة أخرى أناشدكم أن لا تتحدّثوا في مواضيع انتم بعيدون كل البعد عنها و الأفضل لكم أن تقوموا بدراستها قبل أن تكتبوا عنها

فهل تعلم يا صديقي كم كانت نسبة الضرائب على الأرباح بالنسبة للمؤسسات في السابق؟ كانت تصل إلى نسب تفوق 50% و هي اليوم في حدود 30% و هذا طبعا من دون أن نذكر الحوافز و التشجيعات التي تقدمها الدولة للمؤسسات سواء المصدرة كليا أو نسبيا او العاملة في السوق الداخلية سواء أكانت شركات بعثها مستثمرون أجانب أو تونسيون لأن مجلة التشجيع على الاستثمارات تطبق على الأجانب و على المستثمرين و رجال الأعمال التونسيين على حد سواء و ليس مثلما يذهب إليه البعض معتقدين أن المجلة لا تطبّق إلا على المستثمرين الأجانب. فهذا خطأ

يشتكي التونسيون دائما، و انا منهم، من حالة الطرقات في بعض المناطق و من غياب التنوير العمومي في بعض الأحياء و من سوء قنوات التطهير في مناطق اخرى و عدم قيام البلديات بالأدوار المنوطة بعهدتها و لـــــــــــــــــــكـــــــــــــــــن هل تسائلنا يوما من أين للبلديات بالأموال الضرورية حتى تقوم بالأعمال المنوطة بعهدتها؟ هل تعتقد أن المنح المقدمة من طرف الدولة للجماعات العمومية المحلية كافية؟ هل تسائلنا يوما إن كنا كمواطنين نقوم بواجبنا تجاه جماعاتنا المحلية؟ أجيبك يا أخي: لا و ألف لا

فهل تعلم نسبة التونسيين الذين يقومون بدفع ما عليهم من أداءات للبلديات حتى يمكن لها أن تقوم بأعمال الصيانة اللازمة للطرقات و التنوير و النظافة؟ هل تعلم النسبة؟ أجيبك: النسبة لا تتعدى 20% . نعم فقط دون العشرين بالمائة من التونسيين يدفعون ما عليهم من أداءات بلدية فكيف يمكن لتلك البلديات أن تقوم بما يكلبه المواطن منها و هو لا يدفع ما عليه؟

علينا أن نتعلّم كيف ننظر للأمور بمنظار آخر جديد و ان نكون على بيّنة من مجريات الأمور و طريقة تسيير الدولة و الجماعات العمومية المحلية و أن نكون على بيّنة من التقارير الدولية و على معرفة و دراية بما تتخذه الدولة من إجراءات و قرارات و تشجيعات و حوافز حتى يكون ما نكتبه عقلانيا و عمليا و علميا و متواصلا مع حقيقة بلادنا و واقع شعبنا