dimanche, août 16, 2009

رسالة من الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى وليد بك جنبلاط



حتى تكون كل الحقوق محفوظة لأصحابها، فإن نص هذه الرسالة أرسلها لي صديق لبناني


صديقي وليد بيك

أكتب إليك بأصابع محترقة لسبب يعود الى ألف كيلوغرام من المواد الشديدة الانفجار، وبقلب محروق لسبب يعود الى
صداقة مفخخة أين من عصفها عصف الانفجارات!

قلت لي يومًا: المطلوب رأسي أو رأسك، والحمدلله على أن دمي كان سلّمًا لي تسلقته الى علياء الشهادة، وعلى أن رأسك لا يزال حيًا يرزق بين كتفيك، غير أنني كنت أتمنى ألا تغسله كل يوم بماء مختلف، وليتك بعد رحيلي كرّست
جرَّتك لنبع واحد تسرِّح على خريره الحرية شعرها الطويل كل صباح.

سمعتك يا وليد من فوق. سمعتك أنا وأبوك الشهيد ونحن نتبادل الكلام عن لبنان على الشرفة الزرقاء. صوتك في ساحة الحرية أطيب العزاء وأجمله لقلبي وقلب كمال بك الذي تحتفظ عيناه بوجه قاتله قبل أن يحتفظ جسده برصاصاته. أنا وأبوك أسرعنا الى الله، رجوناه أن يثّبتك في الحرية وفي الحياة. فالأرض تحتاج أيضًا الى أحرار يعيشون طويلاً، والشهداء يعتمرون دماءهم ليعيش إخوتهم وأبناؤهم الأحرار طويلاً. خفنا عليك، يا وليد، غير أن فرحنا كان أكبر من الخوف. لحظة حرية واحدة أطول من كل أعمار الطغاة.

جبين سعد، يا وليد، امتداد لجبين رفيق الحريري، وسعد أورثته حب لبنان والحرية وصداقاتي مع الأحرار قبل أن أورثه جبلاً من الذهب لا يساوي كمشة من تراب لبنان المجبول بدماء الشهداء. أمس، حيث كنت ألتقي وأباك، وقفت وحيدًا. خجل كمال جنبلاط من كلامك. زرته. قلت له: بسيطة. ربما نبت في صدره عشب الخوف. ربما طول مشوار الحرية يضعف إيمان الأحرار فيسقطون في التجربة. كان منهمكاً بتضميد جروح ظنَّها التأمت مع مرور الزمن.

كان ينزع من جسده رصاصات جديدة. كانت عيناه تستقبلان لقاتله صورة جديدة. لماذا يا وليد؟ وأي وسطية تبحث عنها؟ وأي يسار وأي يمين؟

يمين الحرية ويسارها واحد وهي لا تؤمن إلا بوسطها، وأخشى أن تكون مطرقة العدالة الدولية ذات صوت لا يروق لك، في حين أظن صوتها عندك بعذوبة أصوات البلابل على أغصان شجر المختارة. وأخشى يا وليد أن يكون السابع من أيار قد "سَبَعَك"، وتنازلت عن فرسك في الميدان الحلال، وبدأت ظهور جمالك تنحني تحت ثقل الهدايا وهي متجهة صوب ديار الشام.

إذهب الى بلاد الشام، يا وليد، و "وسِّطْ" كما تشاء، و "يسِّر" كما تشاء، لكن لا تنسَ الملف الذهبي، ملف اغتيال كمال جنبلاط. أرسِلْ منه نسخة مع كل هدية، وقل لبشار، على الأقل، أبوك وأبي لم يكونا صاحبين حتى النهاية.

ليتك، يا وليد، قدمت لأهل ثورة الأرز لائحة طويلة بأخطائهم الماضية والتي سوف تأتي. وليتك تبادلت العتاب مع سعد، بين جدران أربعة، وإذا شئت الشتائم، وخرجتما تمشيان جنبًا الى جنب على رصيف أم الدنيا وأحرار لبنان يشعرون أن الدنيا وأمها بألف خير.

رميت حجرك في بئري. حرّ يا وليد أن تشرب، وحرّ أن تزيد حجرًا على بئر شربت منها، وحرّ أن ترمي فيها هذا الحجر، لكن أخاك سعد هو "يوسفي" وأنا أخشى عليه من البئر، لعلك مثلي تخشى.

إذهب يا وليد، فإنك مدعو الى وليمة ذئاب، لا تنسَ أن تأخذ كلبك معك وأنا مقهور عليك ولست مقهورًا منك.

وانتبه يا وليد، ربما رأسي لا يكفي، وقد تكون المقصلة مغطاة بورق الورد وكؤوس النبيذ.


الشهيد رفيق الحريري

من مجلة المسيرة


To post your comments :

http://www.facebook.com/note.php?note_id=115473149301