يكفل الدستور التونسي حقوق الانسان في كونيتها و شموليتها و يضمن للمواطنين حرية التعبير و تكوين الجمعيات و الأحزاب و النقابات و الاجتماع، بل إنه اتسع ليضمّ مفاهيم مثل التضامن و التسامح ليرتقي بهم إلى مراتب دستورية. و لكن أيضا مثله مثل بقية الدساتير في العالم و كذلك المعاهدات الدولية و اهم النصوص الحقوقية على غرار اعلان حقوق الانسان و المواطن لسنة 1789 بفرنسا و الأعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 و العهود الدولية الخاصة بالحقوق السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية، فإن الحرية ليست بمطلقة بل هي تمارس في ظل القوانين المنظمة لها و من دون أن تؤدي ممارستها إلى التعدّي على حرية الآخرين أو اعراضهم او ممتلكاتهم أو مكاسب الأوطان
قد تكون الحادثة المعزولة التي أدّت إلى تأجيج الأوضاع في سيدي بوزيد، حادثة مأساوية خاصة و ان الطريقة التي اختارها الشاب ليضع حدّا لحياته كانت طريقة أليمة تدل ليس فقط على درجة الاحتقان و فقدان الأمل و اليأس، بل أيضا على ضعف البصيرة و قلّة العقل
إنه من الجحود و من قلّة المعروف أن يستغّل أفراد يريدون بث الفرقة بين ابناء الشعب الواحد و يعملون على نشر الأكاذيب و الدعوة إلى العصيان، أن يتحدثوا و بكل وقاحة عن ولايات تعيش تحت خط الفقر و عن التهميش، بل وصل الأمر بأحد الصحفيين إلى التحدث عن أوضاع معيشية لا تطاق و واصل أحد النقابيين قائلا أن الأوضاع أتعس من غزة و العراق
إنها وقاحة ما بعدها وقاحة. هنالك نقائص و الجميع يقرّ بذلك و اوّلهم الرئيس بن علي نفسه. اوليس هو القائل: لقد انجزنا الكثير و لكن ما ينتظرنا اكثر؟
أوليس الرئيس بن علي هو الذي اقر بمشكل البطالة و جعل من التشغيل أولويّته المطلقة؟
أوليس بفضل الرئيس بن علي و حكومته و حزبه، أصبح يمكن لكل من هب و دبّ أن يستعمل جهاز هاتف حديث ليصور به الأحداث و ليستخدم الانترنات؟ هذه الانترنات التي تعتبر حسب آخر التقارير الاقليمية الأرخص و الأقل كلفة في المنطقة
أوليس هذا هو النظام الذي كفل لـ أكثر من 99 بالمائة التعليم المجاني و الاجباري؟
كيف يمكن أن يتم وصف المناطق الداخلية بأنها مناطق مهمّشة في حين أن من أولى زيارات الرئيس بن علي بعد التغيير كانت إلى ولاية توزر. كما أنه هو الشخص الذي أطلق برنامج التضمان الوطني بعد أن زار المناطق المعزولة و المهمّشة و أخرج مناطق الظلّ من ذلتها و أدمجها في الدورة الاقتصادية و الاجتماعية للبلاد
كيف يمكن أن يتم التحدث عن انعدام الحلول و انسداد الآفاق امام طالبي الشغل في حين أن الدولة وضعت برامج خاصة بالباعثين الشبان و توفر تشجيعات. من بين هذه الآليات: تربصات الأعداد للحياة المهنية، عقد إدماج حاملي شهادات التعليم العالي، عقد التأهيل و الادماج المهني، عقد إعادة الادماج في الحياة النشيطة، عقد التشغيل و التضامن، و برنامج الخدمة المدنية التطوعية
كما وضعت الدولة تشجيعات لفائدة الخواص حتى يتم انتداب العملة و الاطارات على غرار تكفّل الدولة بـ 50 في المائة من نسبة الأجور المدفوعة على أن لا يتجاوز نصيب الدولة في كل الحالات 250 دينار، تكفل الدولة بمساهمة الأعراف في الضمان الاجتماعي و لمدة قد تصل إلى 7 سنوات بعنوان الانتدابات الجديدة
و من أجل أن تساعد الدولة طالبي الشغل على مساعدة أنفسهم، وضعت برامج تسمح للجمعيات بانتداب حاملي الشهادات العليا للعمل بنصف الوقت يقوم خلالها طالب الشغل بتنظيم ملفات الجمعية و مساعدة مسيرها يتعلّم خلالها معنى الالتزان بالتوقيت و التوجه إلى مركز العمل، في حين يتفرغ بعد الظهر للبحث عن العمل الذي يتلائم و قدراته. و يحصل مقابل عمله الجزئي على مبلغ مالي يمكنه البحث عن شغل على غرار شراء الجرائد أو النفاذ للانترنات أو طباعة الأوراق المطلوبة في الملف و غيرها. هذه هي الفلسفة التي تجعل الدولة تساعد طالب الشغل على أن يساعد نفسه لا ان يتواكل عليها
كما بعثت الدولة جمعيات التنمية المحلية التي تقدم قروض بسيطة و لكنها تمكن العديد من العوائل من تحسين مستوى عيشها و بعث موارد رزق
أما بالنسبة لخريجي الجامعات، فإن صندوق 21 21 للتشغيل و بنك التضامن الوطني، يمنحان قروضا و يدعمان مشاريع الباعثين الشبان من دون أن ننسى ذكر ما تقوم به مكاتب التشغيل من دورات تدريبية يتم خلالها تقديم مبالغ مالية للمشاركين لتغطية جزء من مصتريفهم طيلة فترة التدريب لتنتهي بعرض مشاريعهم على لجنة و المشاريع الحائزة على الاعجاب و الرضاء، تحصل مباشرة على الدعم المالي و التقني اللازم
إضافة إلى هذا، يضمن الجيش الوطني منظومة تكوين و تدريب مهني في العديد من الاختصاصات و على مختلف المستويات
أما على مستوى الجهات، و بالرغم من الخلل فيما بينها و الذي يعود إلى سنوات طويلة خلت، إلا أن من بين أهم الأسباب وراء ذلك هو بحث المستثمرين على قرب مؤسساتهم من المواني و المطارات و الطرقات السيارة حتى يتم الضغط أكثر على التكاليف. و هو ما جعل الدولة تضع برامج تنموية في الجهات الداخلية و الحدودية و الجنوبية لدفع الاستثمار و من ذلك مدّ الطرقات السيارة إلى أكثر من ولاية داخلية مما سيدعم المناطق الصناعية و اللوجيستية التتي ستتواجد على جانبي الطرقات السيارة، إعفاء شركات الطيران المستعملة لعدد من المطارات على غرار طبرقة و قفصة و قابس من المعاليم الجبائية و الآداءات تشجيعا على استغلال مثل تلك المطارات و دعما للسياحة في تلك المناطق
كما أقرت مجلة التشجيع على الاستثمارات جملة من الحوافز و التشجيعات من أجل الاستثمار في مناطق التنمية الجهوية و من بينها جملة من معتمديات ولاية سيدي بوزيد بالاضافة إلى العديد من المعتمديات الأخرى في ولايات بنزرت و قابس و صفاقس و جندوية و باجة و الكاف و القصرين و مدنين و توزر و قفصة و تطاوين و قبلي و سليانة و القيروان و المهدية ناهيك عن قانون حفز المبادرة الاقتصادية
هل هو جهل بواقع الأمور و بمجهودات الدولة في قطاع التشغيل و دفع الاستثمار و التنمية بالجهات؟ أم هو محاولة فقط من أجل ضرب استقرار البلاد و أمنها بتعلات واهية و باستغلال لأحداث فردية و منعزلة؟
مطالب التشغيل و العيش الكريم، هي مطالب مشروعة، نطالب بها جميعا، و مسؤوليتنا الجماعية أن نعمل على خلق الثروات و أن نعمل أكثر و بضمـــــيـــــر حيّ و من دون اي حسابات من أجل تنمية بلادنا و تعزيز اقتصادها و مستواها العام، و لكن من غير المقبول ان نصف الأوضاع بأنها لا تطاق. فنحن لسنا في مصر حيث يصبح مجرد الحصول على الخبز، هاجسا على الأسرة حيث عليها الوقوف في طوابير طويلة من أجل الحصول على خبز بنسبة و عدد محدودين.
نحن لسنا في مصر حتى نحصل على فراخ (دجاج) الجمعية
نحن لسنا في كوبا حيث لدينا بطاقة تموينية نحصل بمقتضاها على الزيت و السكر و الدقيق
نحن لسنا في الولايات المتحدة أو اليونان أو اسبانيا حيث تمّ إما إيقاف أو التقليص في جرايات الموطفين و العاملين بسبب الأزمة المالية الأخيرة
لكلّ ذلك يجب أن تكون ردّات فعلنا مدروسة و يجب أن لا تتحول الاحتجاجات إلى وسيلة من أجل الشتم و السب و الاعتداء على الأملاك العامة و الخاصة و على مكاسب البلاد